نص الخطاب الذي ألقاه القائد الأعلى فيدل كاسترو روز في ساحة الصمت الجوية، في كاراكاس، فنزويلا، في 23 كانون الثاني/يناير 1959
Fecha:
إخوتي في فنزويلا:
لو كان بوسعي أن أعبر في جملة واحدة عما خالجني ويخالجني من مشاعر في هذا اليوم، فإنني أختصر كل شيء بالتأكيد بأنني بلغت من التأثر لدى دخولي كاراكاس أكثر مما بلغته عند دخولي هافانا (تصفيق).
كان من الطبيعي أن يرغب الشعب الكوبي، إلى حد ما، بطريقة ما، في التعبير للجيش الثائر عمّا عبّر عنه من مودة لنا. فمن أجل شعب كوبا كنا قد أمضينا سبع سنوات من النضال؛ وكان شعب كوبا ينتظر منّا التحرر، كان شعب كوبا ينتظر منّا تحقيق حريته، وأخيراً، وبعد سنوات طويلة من تضحيات الشعب ومن تضحياتنا، نحن الذين لم نكن أكثر من مرشديه في تلك المعركة، وعندما رأينا تلك المعركة مكللة بالنصر، كان من المنطقي أن يفتح الكوبيون أذرعهم لاستقبالنا. أما من فنزويلا فلم نتلقَّ سوى الخدمات (تصفيق). لم يتلق الفنزويليون منا شيئاً، بل أنهم كانوا مشجّعين لنا خلال النضال بتعاطفهم ومحبتهم؛ فقد أرسلوا لنا البوليفار حتى الـ "سييرا مايسترا" (تصفيق)، ونقلوا بث "راديو ريبيلدي" إلى كل أرجاء القارة الأمريكية، وفتحوا لنا صفحات صحفهم، بين أمور أخرى تلقيناها من فنزويلا (تصفيق). وبعد حصولنا على كل شيء، وبعد ما تلقيناه من خدمات من هذا الشعب في كفاحنا من أجل الحرية، وجدنا عند وصولنا إلى فنزويلا أنهم يستقبلوننا بنفس المودة التي استقبلنا بها الكوبيون (تصفيق وهتافات).
ما كان لهذا التكريم أن يكون أنقى، وما كان لهذه البادرة أن تكون أنبل، وما كان بوسعي، أخوتي الفنزويليون، أن أنال من هذا الشعب النبيل والبطل خدمة أعظم من تلك التي تلقاها شعب كوبا من شعب فنزويلا هذه الليلة (تصفيق).
لماذا أتيت إلى فنزويلا؟ لقد أتيت إلى فنزويلا، في المقام الأول، انطلاقاً من شعورٍ بالامتنان؛ وثانياً، من أجل واجب أساسي يتمثل في المعاملة بالمثل تجاه جميع المؤسسات التي دعتني بسخاء للمشاركة في فرحة فنزويلا في هذا اليوم المجيد، 23 كانون الثاني/يناير (تصفيق وهتافات)، ولكن هناك سبب آخر أيضاً: لأن الشعب الكوبي يحتاج إلى مساعدة شعب فنزويلا، لأن الشعب الكوبي، في هذه اللحظة الصعبة، وإن كانت مجيدة من تاريخه، يحتاج إلى الدعم المعنوي من شعب فنزويلا (تصفيق). لأن بلادنا تتعرض اليوم لأشد حملة إجرامية ومارقة وجبانة، تعرض لها أي شعب، لأن الأعداء الأبديون لشعوب القارة الأمريكية، الأعداء الأبديون لحرياتنا، الأعداء الأبديون لاستقلالنا السياسي والاقتصادي، الحلفاء الأبديون للديكتاتوريات، لا يسلّمون بمشاهدة انتصار الشعب الكوبي العظيم والاستثنائي، الذي، وبدون أي مساعدة سوى تعاطف وتضامن الشعوب الشقيقة في القارة، ومن دون أسلحة أخرى غير تلك التي عرف كيف ينتزعها من العدو في كل معركة، خاض حرباً ضروساً لمدة عامين ضد جيش عرمرم يمتلك الدبابات والمدافع والطائرات والأسلحة بجميع أنواعها، والأسلحة الحديثة التي قيل إنها لا تقهر، وقد تمكّن شعبنا، الذي كان أعزلاً، ولم يكن لديه دبابات، ولا مدافع، ولا قنابل زنة 500 رطل، ولا طائرات، ولم يكن لديه أي تدريب عسكري، شعب أعزل، بدون تدريب، بدون ممارسات حربية، من الإطاحة، في عامين من القتال المباشر، بالقوات المسلحة للدكتاتورية التي كان لديها 60 ألف رجل مسلح (تصفيق).
كان يقال بأنه من المستحيل القيام بثورة ضد الجيش، وأن الثورات يمكن القيام بها بالجيش أو بدونه، ولكن ليس ضد الجيش أبداً، ونحن قمنا بثورة ضد الجيش (تصفيق).
كان يقال أنه إذا لم تكن هناك أزمة اقتصادية، وإذا لم يكن هناك جوع، لا يُمكن القيام بثورة، ومع ذلك، قامت الثورة (تصفيق).
سقطت كل الأقاويل، وهوت كل الأكاذيب التي تم تأليفها لإبقاء الشعوب خاضعةً ومحبطة، فدُمّرت القوات المسلحة للدكتاتورية ونُزع سلاحها، وقد أصبحت الدبابات والمدافع والطائرات اليوم في أيدي الثوار (تصفيق). كان هذا ما يمكن وصفه بثورة حقيقية بكل معنى الكلمة، ثورة للانطلاق (تصفيق).
وكيف صُنعت تلك الثورة؟ ماذا كان عليه سلوك "الجيش الثائر" خلال الحرب؟ مئات من الجرحى الذين تركهم العدو في ساحة المعركة، قام أطباؤنا بنقلهم ومعالجتهم وإعادتهم. تم أسر آلاف الجنود في ساحات القتال، ولم يتعرض أسير واحد للضرب أبداً، ولم يُقتل أسير واحد أبداً. لم يحدث من قبل أن قام جيش في العالم، أو ثورة في العالم، بمثل هذه النموذجية، وهذه الشهامة، التي تحلّت بها الثورة الكوبية (تصفيق).
لقد علّمنا رجالنا أن تعذيب الأسير هو عمل جبان، وأن الزبانية فقط هم الذين يعذبون. علمناهم بأن قتل الأسرى، وقتل المقاتل عندما يستسلم، وبعدما عُرض عليه البقاء إذا استسلم، إنما هو جبن، ولم يتم قتل أي أسير على الإطلاق (تصفيق).
وقد فعلنا شيئاً آخر: قلنا للشعب أنه عندما تسقط الدكتاتورية لا نريد أن يتعرض منزل واحد للنهب، لأن منازل المسؤولين المختلِسين وأعداء الشعب، منذ اللحظة الأولى لانتصار الثورة، قد أصبحت ملكاً لهم. وكان لا بد من حمايتها (تصفيق).
قلنا للشعب أنه عندما يتم إسقاط الدكتاتورية، لا ينبغي لأحد أن يأخذ ثأره بيده، لأن الثورات يتم تشويهها عندما تظهر جثث الزبانية بعد الانتصار وهي تُسحل في الشوارع. أتراه من السيئ سحل عميل؟ (صيحات: "لا!") لا، هذا ليس سيئاً؛ ولكننا قلنا للشعب: لا تسحلوا أحداً حتى لا يكون لدى الطاعنين الأبديين بالثورات ذريعة لمهاجمتها، فأنتم تعلمون أن الرجعية، الثورة المضادة تبدأ في تشويه سمعة الثورة، استناداً إلى الأحداث التي تلي النصر مباشرة، وإحدى الحجج التي يستخدمونها هي النهب والرجال الذين يتم سحلهم في الشوارع (تصفيق وهتافات).
لقد قلنا للشعب الكوبي: لا تسحلوا أحداً ولا تخافوا شيئاً على الإطلاق، فالجرائم لن تمر دون عقاب؛ سيكون هناك عدالة حتى لا يكون هناك انتقام، وقد وثق الشعب بنا. قلنا له أنه ستكون هناك عدالة، وقد وثق بنا: لم يسحل أحداً، ولم يضرب حتى أياً من الزبانية الذين وقعوا بين يديه، بل سلموهم إلى السلطات الثورية. كان لديّ إيمان بأننا سنحقق العدالة، وكان من الضروري أن تكون هناك عدالة، لأنه بدون عدالة لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية، بدون عدالة لا يمكن أن يكون هناك سلام، بدون عدالة لا يمكن أن تكون هناك حرية (تصفيق وهتافات).
أفظع ضرر لحق بشعبنا هو الإفلات من العقاب على الجريمة، غياب العدالة، فقد كان شعبنا مفتقداً للعدالة (هتافات: "فيدل فوق الجميع!")
لست أنا المخول لتقييم العملية وتحليل تاريخ فنزويلا، لا؛ لكن يكفي تحليل الأمور في وطننا، لأنه في نهاية المطاف، ما يحدث في كوبا هو نفس ما يحدث هنا وما يحدث في جميع بلدان القارة الأمريكية. لا يأتي من الفراغ شعورنا بوحدة الهوية، ولا يأتي من الفراغ تألّمنا لذات الأسباب، وليس هباء تطلّعنا لذات الآمال، أنتم الفنزويليون ونحن الكوبيون (تصفيق وهتافات).
في وطننا لم يكن هناك عدالة أبداً. كانت العدالة بحق البؤساء، وكانت العدالة بحق الفقراء، وكانت العدالة بحق أولئك الذين يسرقون القليل. لم يذهب مليونير واحد إلى السجن قط، هذه هي الحقيقة؛ لم ينته مختلس للأموال العامة إلى السجن. كانت هناك دائماً سلسلة من الامتيازات المهينة.
كان يُحكى عن المساواة أمام القانون، وكان ذلك أسطورة، فالقانون يقع على من ليس له عراب، على من لا يملك المال، على من لا امتياز له (تصفيق وهتافات). كان المختلسون يترشحون لعضوية مجلسي الشيوخ والنواب، وكان لديهم ما يكفي من المال لرشوة الضمائر، لأنه حيثما يوجد جوع، حيث لا يوجد عمل، حيث يوجد بؤس، يمكن لتجار السياسة والمتاجرين، وللأسف، أن يقوموا بصفقات ناجحة، وطالما كان هناك دائماً شخص محتاج ليأخذ طفله إلى المستشفى، أو شخص محتاج ليأخذ أطفاله إلى المدرسة، أو والد جائع ليرشونه في لحظة الحاجة تلك لشراء صوته (تصفيق وهتافات). وهكذا فإن من كان يسرق ملايين البيسوات كان يترشح دائماً عن حزب ما ويفوز.
منذ اللحظة التي كان يصبح فيها عضواً في مجلس الشيوخ أو النواب، يبات مفلتاً من العقاب، ويمكن له أن يقتل ولا يحدث له شيء. فقد كان على المحاكم أن تتقدم بالتماس إلى الكونغرس، ولم يكن الكونغرس يوافق أبداً. لم يكن يوافق على أي التماس قضائي يخص أي عضو في العصابة (تصفيق وهتافات)؛ كان بوسعهم أن يسرقوا ولا يحدث لهم شيء. وعندما يرفع القاضي الالتماس، تكون النتيجة أنه يرفض. لم يوافق الكونغرس قط على أي التماس قضائي ضد أي عضو في العصابة. إذا كان قد سرق قبل أن يصبح عضواً في مجلس الشيوخ، فإن القانون لا يطاله أيضاً، لأنهم لا يوافقون على طلب المحكمة. آه، أما إذا كان الضحية عضواً في الكونغرس، وإذا قتل نائب نائباً آخر، فإنهم يوافقون على الالتماسات لأن الحق المتضرر كان حق عضو في العصابة. (تصفيق وهتافات).
من كان يذهب إلى السجن هو من سرق دجاجة أو حصاناً. أما سارق ملايين البيسوات فكان عضواً في نفس النادي الأرستقراطي الذي ينتمي إليه القاضي، وكانا يتناولان الغداء معاً هناك (تصفيق وهتافات). وعاشت القوة العامة على النهب. ولم يكن هناك رجل شرطة يذهب للشراء من دكان ويريد الدفع؛ وكان ضباط ورقباء الجيش المتمركزون في الريف يتقاضون راتبان، راتب من الدولة وراتب أعلى من الشركة المالكة لتلك الأراضي. في كل مصنع سكر، كانت إدارة المصنع تدفع راتباً منفصلاً لرئيس الكتيبة العسكرية، وبالتالي فإن هذا كان يعمل في خدمة مصالح الشركة دون قيد أو شرط ضد الفلاحين والعمال (تصفيق وهتافات). ولكن بصرف النظر عن ذلك، كان الجاني الرئيسي وكيلاً للسلطة. وبينما كان القانون يمنع القمار، من كان يحمي هذا اللعب هو وكيل السلطة؛ وبينما كان القانون يمنع تهريب المخدرات أو بيعها، فإن وكيل السلطة هو الذي كان يسهل هذه التجارة (تعبيرات عن التعجب).
سأخبركم بشيء: في مكتب التحقيقات، كان رئيس قسم مكافحة تهريب المخدرات مسؤولاً عن توزيع المخدرات في هافانا (ضحك وهتافات). لم يكن هناك رئيس شرطة، ولم يكن هناك عقيد، ولم يكن هناك جنرال، إلا وأصبح مليونيراً بفضل القمار والتهريب والخوّات.
هذا ما كان عليه تاريخ وطننا وهذا هو تاريخ وطننا على مدار خمسين عاماً. لم يكن هناك في العالم، على الأقل في الآونة الأخيرة، شعب ناضل من أجل حريته وسعادته أكثر من الشعب الكوبي (تصفيق).
تتذكرون بالتأكيد تاريخ القارة الأمريكية. ومن يُمكنه أن يعرف تاريخ القارة الأمريكية أفضل من الفنزويليين، ما دام الفنزويليون هم الذين صنعوا تاريخ القارة الأمريكية! (تصفيق وهتافات)
كان ذلك في الحقبة التي غزت فيها جيوش نابليون إسبانيا. فبينما كانت إسبانيا تعاني من صراعات داخلية، ثارت جميع المستعمرات. لا يعني ذلك أنهم توقفوا عن كونهم مستعمرات، لكن الحقيقة هي أنهم ثاروا في ذلك الوقت على القوة الإسبانية المستعمِرة. تمرّدت المستعمرات في وجه القوة المستعمِرة وقاتلت ببطولة، ولكن في منطقة شاسعة، حققت حفنة من الشعوب الباسلة، بقيادة ذلك القائد الاستثنائي، سيمون بوليفار، استقلالها السياسي في العقود الأولى من القرن الماضي (تصفيق وهتافات).
تتذكرون التأكيد أيضاً أن بوليفار لم ينس كوبا، وتتذكرون كذلك أن من بين خططه كانت تلك الخطة التي لم تتحقق أبداً - لأنه لم يتمكن من تحقيقها، لكنه لم يتركها منسية - وهي أيضاً تحرير جزيرة كوبا (تصفيق وهتافات: "عاش فيدل!"). ولم يتمكن المحرر من ضم تلك الجزيرة إلى مجموعة الشعوب التي حررها، وبقيت جزيرتنا قرابة قرن آخر تحت نير القمع والاستعمار.
لقد تُرك بلدنا وحيداً، ونسيته حكومات القارة الأمريكية، وكان عليه أن يقاتل بمفرده ضد إسبانيا لمدة 30 عاماً، وكان عليه أن يخوض بمفرده المعركة التي كانت باقي شعوب القارة الأمريكية الأخرى قد خاضتها معاً. وفي وقت كان فيه شعبنا وجيوشنا المحرِّرة قد هزمت الجيش الإسباني فعلياً بعد 30 عاماً من النضال، تدخلت الولايات المتحدة في كوبا، مدّعيةً بأن ذلك من أجل تحريرها، لأنه - حسب ما أعلنت - كان يجب أن تكون جمهورية كوبا حرة ومستقلة، في الواقع وبموجب القانون. وما حدث هو أنه عندما دقّت ساعة تسليم الكوبيين الجزيرة التي كانوا قد قاتلوا من أجلها على مدار 30 عاماً، حصل أن المحاربين لم يتمكنوا حتى من دخول سنتياغو دي كوبا؛ ومكثت هناك لمدة عامين وهي تحتلها عسكرياً، حتى جاء الكونغرس في نهاية الأمر بتعديل فرضه بالقوة على دستور الجمهورية، يعطى الولايات المتحدة بموجبه الحق بالتدخل في الشؤون الداخلية لكوبا (تعبيرات عن استياء).
وكانت النتيجة أن جميع الوشاة، كل المخبرين الذين كانوا يقتلون الكوبيين أثناء الحرب، كل الزبانية، كل القتلة، كل أولئك الذين سرقوا الأرض من الكوبيين أثناء قتالهم، استولوا على الأرض وبقي الأمر هكذا وهم يتبخترون في الجزيرة من دون أن يحدث لهم شيئاً على الإطلاق، لأن القوة الأجنبية كانت تحميهم. لم يكن هناك عدالة، لم يكن هناك عدالة، لم يكن هناك عدالة! وهكذا بدأنا السنوات الأولى من شبه جمهوريتنا، أو بالأحرى، لا جمهورية على الإطلاق، من صورتنا الكاريكاتورية للجمهورية؛ لأنه عندما يعطي بلد لنفسه الحق بالتدخل في بلد آخر، فإن هذا لا يمكن أن يسمى بلداً مستقلاً، لأن الاستقلال لا يقبل حلاً وسطاً، فإما أن يكون مستقلاً أو غير مستقل (تصفيق).
هل كان بإمكان وطننا أن يتقدم في ظل هذا النظام؟ (هتافات: "لا!") لا. الحكومات كانت تسرق، وكانت هناك جرائم، وكان هناك ظلم، وكان على الشعب أن يتحمل، لأنه إذا احتج، وإذا قاتل ضد ذلك، يقولون له: "سوف تخسر سيادتك، انتبه، لسوف يتدخلون". فكان على الشعب أن يتحمل متقبّلاً كل الأهوال وكل التجاوزات وكل مظالم الحكام والمصالح الاستغلالية في بلادنا.
مرّت ثلاثة عقود على هذا النحو. ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى نشوء أول دكتاتورية عانى منها شعبنا في الجمهورية: دكتاتورية ماتشادو. قاتل شعبنا بشجاعة ضد تلك الدكتاتورية، وألحق بها الهزيمة بجهود الجماهير وتضحيات الطلاب والعمال والشباب، وعندما غادر الدكتاتور، عندما قرر الفرار، حدث شيء مشابه لما أرادوا له أن يحدث هذه المرة، لكنه لم يحدث. ظل الجنرال هيريرا، قائد الجيش آنذاك، قائداً للجيش وعينوا أحد هؤلاء الرؤساء الذين لا لون لهم، الذين لا هدف آخر لهم غير إعطاء بعض الظل من الحرية للشعب وتهدئته وانتظار الفرصة لكي يخمد؛ لأن الشعوب عندما تغضب، تكون ردة فعل أعداء حرياتها، هو السعي لاسترضائها قليلاً، ومنحهم بعض الحريات وانتظار الفرصة لتنام مرة أخرى ويفرضوا عليها القوة مجدداً (صيحات). ولهذا السبب لا ينبغي للشعوب أن تنام أبداً، والآن على الأخص يجب ألا ينام أي شعب من شعوب القارة الأمريكية (صيحات: "لا!").
وبعد 20 يوماً، تمرّد جنود وطبقات الجيش على أولئك الضباط وأطاحوا بالحكومة التي أعقبت سقوط ماتشادو. حسناً، الرقباء أصبحوا عقداء، وجاءت لحظة بدوا فيها وكأنهم أصحاب موقف ثوري - وهذا ما يحدث عادةً - ولو لفترة قصيرة؛ فانضمت إلى الحركة عناصر مدنية ثورية مختلفة، وكانت هناك حكومة ثورية عمّرت ثلاثة أشهر، وهي حكومة غيتيراس، أو بالأحرى، الحكومة التي كان أبرز شخصياتها أنطونيو غيتيراس، الذي بدأ باتخاذ سلسلة من الإجراءات الثورية ضد الاحتكارات التي تستغل خدمات الكهرباء، وكانت النتيجة أن جيفرسون كافيري، سفير الولايات المتحدة، بدأ في تطويع الرقيب باتيستا، الذي كان بالفعل عقيداً، وبعد ثلاثة أشهر قام الرقيب باتيستا، بناءً على تعليمات السفير الأمريكي، بطرد الحكومة الثورية من السلطة، وقامت دكتاتورية استمرت 11 عاماً في السلطة.
هذه هي الحقيقة التي لن نختبئ لكي نقولها هنا أو في أي مكان (تصفيق وهتافات). فلا بد من تسمية الأمور بمسمياتها.
جاءت الحرب العالمية، وسط رأي عام في العالم كله ضد الدكتاتورية، لأنهم عادوا إلى التملّق للشعوب المسكينة وتحدثوا لها كثيراً عن هتلر وموسوليني، إلى آخره، إلى آخره، إلى آخره، وقالوا لها أن الحرب ضد الدكتاتورية، وأن هذه الحرب هي من أجل حقوق الشعب، وأنه سيتم احترام حقوق الإنسان، وأنه سيكون هناك ميثاق للأمم المتحدة يكرس هذه الحقوق، إلى آخره، إلى آخره، إلى آخره. وبالفعل، في كوبا، وفي فنزويلا، وفي بيرو، وفي غواتيمالا وفي بلدان مختلفة، تراجعت الديكتاتوريات أمام ضغوط الرأي العام العالمي الذي كان تحت تأثير الخداع، وتعاقبت سلسلة من الأنظمة الدستورية بإذنٍ من "صاحب الجلالة": الجيوش (تعجب).
ماذا حدث في كوبا؟ حسناً، الأمر بسيط للغاية، لأنني أتحدث عما حدث في كوبا، وليس عليّ أن أتحدث عما حدث في أماكن أخرى، والتي كانت مماثلة إلى حد ما (صيحات: "عاش فيدل!"). جرت في كوبا انتخابات نزيهة إلى حد ما، وفازت المعارضة - كما يحدث دائماً عندما تذهب الديكتاتورية إلى الانتخابات- وتولّت السلطة حكومة دستورية كانت مخيبة؛ لكن، حسناً، لقد كانت مخيبة للآمال لأن المتاجرة السياسية لا يمكنها أبداً أن تصنع ثورة، الثورة هي كما نقوم نحن بها اليوم (تصفيق). لكن نادراً ما تستطيع الشعوب أن تأمل شيئاً من المتاجرين بالسياسة. وكان شعب كوبا قد اعتقد في عام 1944 أن مرحلة الاستبداد قد انتهت، وأن الحكومة الثورية آتية. خلط بين السياسة والثورة، وكان ذلك مخيباً للآمال.
ولكن ما حدث، وهو أسوأ ما في الأمر، أن أصدقاء باتيستا بقوا في الثكنات. أولئك الجنود والضباط المتوافقين مع باتيستا، بقوا في الثكنات والأسلحة في أيديهم. وبعد ثماني سنوات، في أحد الأيام عاد باتيستا، سمحوا له بالعودة - لأن تلك هي أخطاء كبار الحمقى الذين يقودون الدول في بعض الأحيان- بعد أربع سنوات من وجوده في المنفى، جاء بملايينه المسروقة، وأسس حزباً صغيراً وكرس جهوده للتآمر تحت حماية القانون والدستور. ظهر في أحد الأيام في الثكنات أمام نفس الجنود والضباط الذين تركهم قبل سنوات، جنود وضباط كانوا توّاقين للامتيازات والحقوق الخاصة التي كانوا يحصلون عليها في زمن باتيستا، وصل باتيستا وكان الجنود رهن إشارته. وداعاً للدستور، وداعاً للجمهورية، وداعاً للحلم، وداعاً لكل شيء في ذلك اليوم! (تصفيق وهتافات).
أحاول أن أعرف إن كان أحد رفاقي قد أحضر الوثيقة التي كتبتها بعد ستة أيام من 10 آذار/مارس. من المفيد قراءتها على شعب فنزويلا (هتافات: "يعيش فيدل كاسترو!").
هي أخطاءٌ تضطر الشعوب لدفع ثمنها غالياً، بطبيعة الحال. كلفت هذه الأخطاء بلدنا 20 ألف قتيل كوبي، وأريد أن أقول لكم أنه لم يقتل في ساحات القتال أكثر من 500 كوبي، بينما قُتل أكثر من 19 ألف كوبي على يد الدكتاتورية، على يد هؤلاء "الملائكة" الذين يقولون الآن أننا نحن نقوم بالإعدامات (صيحات: "الإعدام لهم يا فيدل، جميعهم!").
بطبيعة الحال، أي حكومة تصل إلى السلطة بالقوة عليها أن تحكم من خلال الإرهاب، وليس كما يحدث حالياً في كوبا، حيث وصلت الثورة إلى السلطة بدعم أكثر من 90٪ من أبناء الشعب، ولا يحتاج الأمر حتى للشرطة في الشوارع (تصفيق). لا يحتاج الأمر لاستخدام ولا الحدّ الأدنى من القوة القسرية، لأن أول شخص مهتم بالسلام والنظام وحسن سير الأمور هو الشعب؛ ولكن عندما يكون الشعب ضد الحكومة التي تستولي على السلطة غدراً وبالقوة، فإن زمن الإرهاب يبدأ على الفور: لا يمكن السماح بالاجتماعات، ولا يمكن السماح بالفعاليات العامة، لا يمكن السماح بالمحاكم المستقلة، ولا يمكن السماح بحرية الصحافة، لا يمكن السماح بأي شيء. تبدأ السرقة ولا يمكن أن يسمى السارق لصّاً؛ يعذبون ولا يسمحون لك أن تسمّي من يقوم بالتعذيب جلاداً؛ تبدأ المحسوبية، وتبدأ الامتيازات، ويبدأ الاختلاس، وتبدأ الصفقات التجارية المشبوهة، ويبدأ الاستغلال على جميع المستويات، ولا بد من إسكات الشعب وخنق احتجاجاته بسفك الدم (صيحات).
ليس ضروريّاً أن أحكي للفنزويليين عن ذلك بالطبع؛ فهم يعرفونه جيداً، لأننا الفنزويليون والكوبيون أخوان توأمان في المحنة والألم (يهتفون: "عاش فيدل!").
بدأ عصر الإرهاب في كوبا عام 1952، بعد 80 يوماً من الانتخابات العامة، تماماً كما بدأ عصر الإرهاب في فنزويلا عام 1948 - أي بعد بضعة أشهر تقريباً من الانتخابات العامة – في وقت كان الشعب الفنزويلي على أعلى درجات الثقة، عندما كان شعب فنزويلا في أوج حلمه بحرياته وعظمة آفاقه المستقبلية، التي كانت من حقه، بالنظر إلى الثروة ما فوق العادية التي تكتنزها أراضي بلده، لأنها واحد من أغنى بلدان العالم، ولو تم استثمار هذه الثروة لصالح الشعب، لا يعلم أحد ما كانت عليه فنزويلا اليوم، أعلى مستوى معيشي في العالم (صيحات: "إنهم اليانكيون يا فيدل!"). جاء الخائن البائس بيريز خيمينيز ورفاقه (هتافات توبيخ)، وكان على الفنزويليين أن يتحملوا 10 سنوات؛ وطبعاً، 10 سنوات من الاستبداد هي 10 قرون من الإرهاب والشرطة الأمنية والتعذيب وكل نوع من أنواع التنكيل والاضطهاد والهمجية. عشر سنوات ولم يشعر أحد بمعاناة شعب فنزويلا، حيث كان البربري إسترادا يقتل ويعذّب، لكن أي عضو في الكونغرس هناك في الولايات المتحدة لم يقف للاحتجاج على ذلك (صيحات: "عاش فيدل كاسترو! عاشت كوبا!").
خلال 10 سنوات امتلأت السجون بمئات وآلاف السجناء السياسيين، بدون محاكمة من أي نوع، وكانوا يموتون هناك، ولم يكن يتم تنظيم أي حملة إعلامية ضد ذلك؛ لم تكن وكالات الأنباء العالمية تنظم هذه الحملات في جميع أنحاء العالم للاحتجاج، لأنها لو فعلت ذلك، لسقطت دكتاتورية بيريز خيمينيز، وما كان لها أن تستمر ولا عامين (تصفيق وهتافات: "عاش فيدل!" ). بل على العكس تماماً، فقد حصل بيريز خيمينيز على تقدير وعلاقات ودية وأسلحة ومودة وحنان وأوسمة وتصفيق من كل نوع، وهذا طبعاً لأنه كان المناسب لهذه المصالح التي تنظم هذه الحملات؛ وكان على شعب فنزويلا وحده، وحيداً تماماً، دون أن يساعده أحد، أن يتحمل تلك السنوات العشر من القمع الرهيب والطغيان المخزي والإجرامي، الذي كان عليه أن يتحمله إلى أن أتى اليوم الذي حدث فيه ما يحدث عندما تتعب الشعوب وتمتعض وتفعل ما فعله شعب فنزويلا. عندما لم يكن أحد في العالم يعتقد أنه سيتم الإطاحة ببيريز خيمينيز، عندما لم يكن يصدق أحد في العالم ذلك لأنه في فنزويلا كان هناك الكثير من المال وكان يقام الكثير من المشاريع، وكان هذا النظام يبدو متيناً، في اللحظة غير المتوقّعة، تمكّن غضب الشعب، كرامة الشعب، شجاعة الشعب، من الإطاحة بدكتاتورية بيريز خيمينيز (تصفيق وهتافات).
وقد أثار هذا الموقف الأبيّ من جانب الشعب رد فعل إيجابي وحظي بتعاطف الدوائر الأكثر تقدمية، مما أعطى دفعة ما فوق العادية للشعب الكوبي: اعتباراً من ذلك الحين، لم يعد هناك حديث آخر إلا عن إضراب عام وإضراب عام وأنه لا بد من إسقاط باتيستا أيضاً، على غرار ما فعل الفنزويليون (تصفيق).
لم نوفَّق كما الفنزويليون، ولم ننظم الإضراب بالنجاح الذي حققه الفنزويليون وفشلنا. كانت تلك أياماً حرجة للغاية، في سييرا مايسترا لم يكن لدينا سوى 300 بندقية، وبعد ذلك يوم 9 نيسان/أبريل – الذي سيتذكره الجميع بحزن، لأنه كان يوم هزيمة للثورة – أعدت القوات المسلحة للديكتاتورية هجمة هي أشد على الإطلاق من أي هجمة أخرى نظمتها من قبل؛ فقد أعطاها فشل الإضراب دفعة وشجعها على مهاجمتنا في سييرا مايسترا. ومن جديد، أصبح النصر أو الهزيمة في أيدي حفنة من الرجال. لكن الثوار، الذين سبق لنا أن واجهنا مواقف أصعب من ذاك، تحصنّا في سييرا مايسترا. وبعد 75 يوماً، بدلاً من 300 بندقية، أصبح لدينا 805 بنادق، بما في ذلك مدافع بازوكا وهاون ورشاشات من كل نوع، بل وحتى دبابة انتزعناها من العدو (تصفيق وصيحات: "عاش فيدل! عاش الجيش الشعبي!").
لم ينفع الهجوم إلا لتسليح "الجيش الثائر" الذي شن على الفور هجومه المضاد، الذي انتهى كما تعلمون؛ لكن الأمر لم يكن بالغ السهولة، لأنهم لم يكفّوا عن وضع بعض الحجارة الكبيرة في طريقنا.
لقد اعتمدنا دائماً طرح عدم قبولنا بالانقلابات. فمشكلة الشعب لا يمكن حلها بالانقلابات العسكرية، لأن ذلك يجعل الشعب مقتصراً على العجز، ويحوّله إلى صفر إلى اليسار في سيرورة تاريخه، وقلنا: "العسكر هم من أقاموا الدكتاتورية، ولكن هذه الدكتاتورية سيسقطها الشعب، وليس العسكر (تصفيق). إذا أراد العسكر القتال ضد الدكتاتورية، فلينضمّوا إلى ’الجيش الثائر‘. لا للانقلاب!". لقد نبّهنا من ذلك ببالغ الوضوح، لأننا أصبحنا نعرف تاريخ الانقلابات: يحدث الانقلاب، وتتم إعادة سلسلة من الحريات، تتم تهدئة الشعب، وخلع العباءة الحمراء عن الثور في حلبة المصارعة، وعندما يهدأ الشعب ويسكن، وحتى يشعر بشيء من خيبة الأمل -لأنه اعتقد أيضاً بأنهم سيحلون له جميع مشاكله، دون أن يدرك أن المشاكل لا يمكن حلها إلا بثورة حقيقية-، وعندما يبدأ بالإحباط، تحلّ اللحظة التي ينتظرها الأعداء الأبديون لحريات الشعب للانقضاض مرة أخرى على السلطة العامة وإقامة الديكتاتورية لموسم آخر (صيحات: "هذه هي الحقيقة!").
قلنا: "لا للانقلاب، لأنه إذا حدث انقلاب سنواصل الثورة، إذا حدث انقلاب سنواصل القتال ، فإما أن يستسلموا أو أن يتركوا هذه اللعبة! قلنا لهم ذلك في وقت لم يكن لدينا فيه سوى بضع مئات من المقاتلين.
استمر النضال في كوبا في التطور، وجاءت لحظة هُزم فيها النظام بالكامل. في أورينتي كان هناك 12 ألف جندي تحاصرهم قواتنا؛ محافظة لاس فيجاس كانت تحت السيطرة، وقوة الجيش في كاماغوي محاصرة بين قواتنا المتواجدة في أورينتي وفي لاس فيجاس (تصفيق). في ظل هذه الظروف، اقترب منّا جنرال وقال لنا بأننا قد انتصرنا في الحرب، وأنه لا يريد المزيد من الدماء، واقترح التوصل إلى اتفاق مع "الجيش الثائر" لتسليم كل السلطة إلى الثوار. وافقنا، وكان من المفترض تنفيذ الاتفاق في 31 كانون الأول/ديسمبر، لكن الجنرال لم يلتزم بوعده؛ وقبل الشروع بذلك خاننا، خان ما تم الاتفاق عليه معنا، فتمرّد في كولومبيا، قام بانقلاب، ونصّب نفسه قائدا للجيش، وعين رئيساً دمية. ولكن، كما قلنا: ما قام به صباح ذلك اليوم هو قفزة قاتلة في الفراغ. أعطينا التعليمات لجميع الأرتال بمواصلة الهجوم ومواصلة العمليات العسكرية وأوعزنا للشعب بالنزول إلى الإضراب العام الثوري.
وكانت النتيجة أنه في نفس اليوم سقطت حكومتان، في الأول من كانون الثاني/يناير سقط باتيستا والحكومة التي تم تشكيلها بعد سقوطه (ضحك وتصفيق). ولم يتوقف الإضراب العام إلا بعد أن أصبحت كافة الحصون العسكرية بيد "الجيش الثائر". لم تكن هناك مشكلات، انتهت المؤامرات إلى الأبد. تم نزع سلاح الجيش بالكامل في كوبا، وانتقلت جميع الأسلحة إلى أيدي "الجيش الثائر". في تلك الثورة التي حدثت بهذه الطريقة، والتي أسست بعد الانتصار مباشرة لنظام مثالي، لأنه كان نظاماً بالتعاون مع الشعب، حدثت الحالة غير المعهودة في ألا يتم سحل أحد -وهو ما لم يسبق له أن حدث مطلقاً في أي ثورة-، وحدثت الحالة غير المعهودة في أن عاصمة يزيد عدد سكانها عن مليون نسمة، مثل هافانا، أصبحت بدون شرطة بينما يسود أمن مطلق؛ لأنه في هافانا -وأريدكم أن تعلموا ذلك- من يحافظ على الأمن هم فتيان الكشافة (تصفيق).
أولئك الذين تنبأوا بأن انتصار الثورة يعني الفوضى، وأن انتصار الثورة يعني سيلاً من الدماء، وأنه يعني الاضطراب والبلبلة، اندهشوا من ذلك الحدث الثوري الهائل؛ بل، بالإضافة إلى ذلك، أدركوا أن تلك الثورة كانت منيعة، لأنها كانت ثورة موحدة ومتينة، لأن كل الأسلحة كانت في أيدي الثوار؛ علاوة على ذلك، أدركوا أن الرجال الذين قاموا بهذه الثورة لم يكونوا على استعداد للتنازل من أجل مصالحهم الخاصة وأنهم كانوا مستعدّين للقيام بثورة حقيقية في بلادهم.
وماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أنه قبل ثلاثة أيام من شن حملة تشهير دولية ضد شعبنا. بدأت الاحتكارات التي تسيطر على وكالات الأنباء العالمية بنشر أخبار حول العالم عن تنفيذنا عمليات إعدام جماعية لأنصار باتيستا دون محاكمة مسبقة. لم تكن تذكر بأنه تجري محاكمة مجرمي الحرب الذين قتلوا وعذبوا 20 ألفاً من أبناء وطننا. لا، كانت تقول بأنهم من أنصار باتيستا وأنهم يُعدمون بشكل جماعي دون محاكمة مسبقة، وبدأت بنشر تلك الأخبار في جميع أنحاء العالم لتجريد الثورة الكوبية من تعاطف الشعوب.
كانت شعوب القارة الأمريكية معتادة على هذا التمادي، ولم يكن غريباً على هذه الشعوب أن تشهد تمجيد الطغاة الذين يقتلون ويعدمون المواطنين العزل جماعياً دون محاكمة، ولهذا السبب انتشر الكذب، ولهذا السبب بدأوا يقولون لشعوب القارة الأمريكية أن السلطة قد استولت عليها عصابة جديدة من المجرمين، وأن طاغية جديداً قد أصبح في السلطة، وأنهم ينفذون هناك إعدامات جماعية. لقد أخفوا عن الشعوب الحقيقة الكبرى لتلك الثورة المثالية، ولم يخبروا الشعوب بما أبداه "الجيش الثائر" من احترام في تعامله مع أسرى الحرب؛ ولم يخبروا الشعوب عن مئات الأرواح التي أنقذها أطباء "الجيش الثائر" من جنود العدو الجرحى، وهو ما يمكن أن يشهد عليه الصليب الأحمر الدولي (تصفيق وهتافات: "عاش فيدل! عاشت كوبا حرة!").
لم يذكروا أنه على مدار عامين وشهر من الحرب لم يحدث قط أن تم قتل أسير حرب واحد أو حالة تعذيب أو سوء معاملة واحدة لأسير حرب؛ ولم يقولوا أنه توجد في بلادنا حرية مطلقة في كل المجالات؛ ولم يقولوا أنه يسود هناك سلام وأمن مطلقان؛ ولم يذكروا أياً من تلك الأشياء الإيجابية عن الثورة الكوبية التي يمكن أن تكون مفيدة كقدوة ومن شأنها أن ترفع من مقام الشعوب. لا، لقد شرعوا في التشهير بالثورة. ولماذا الافتراء عليها؟ لأن الشعب الكوبي أخذ وللمرة الأولى حقه في تطبيق العدالة في وطنه، وهي العدالة التي لم يسبق لها أن طُبِّقت قط. (تصفيق وهتافات).
الرجال الذين كانوا قد مارسوا القتل على مدار سبع سنوات، الرجال الذين قتلوا نساءً، الرجال الذين اغتصبوا أمهات، الرجال الذين قتلوا أطفالاً، الرجال الذين بلغوا بما مارسوه من إرهاب وتعذيب مستويات لم يسمع بها من قبل، الرجال الذين التقطوا صوراً لمواطنينا المعوّقين، لمواطنينا المعذبين، لينصرفوا بعد ذلك للاستمتاع بسادية بهذا المشهد من الفجور والعربدة، فالصور التي استولينا عليها، تلك الصور التقطوها هم واستولينا عليها في مكاتب أتباعهم الرئيسيين الذين لم يتّسع لهم الوقت أثناء هروبهم حتى لأخذها معهم (تعبيرات تعجب). لم يكن ممكناً أن يبقى أولئك الرجال، أولئك البرابرة، تلك الكائنات دون مستوى البشر، أن يفلتوا من العقاب. كلا، لماذا سيفلت من العقاب رجال قتلوا، في بعض الحالات، أكثر من 100 كوبي؟ لماذا سيفلت من العقاب أولئك الذين لم يرحموا إخوانهم من البشر، أولئك الذين لم يرأفوا بإخوانهم من البشر، أولئك الذين زرعوا الحزن والموت والألم في كل مكان على مدار سبع سنوات؟ لماذا؟ لماذا كان على شعبنا أن يتخلّى عن إحقاق الحق؟ ليس هناك ما هو أكثر ضرراً بالمجتمع من إفلات الجرائم من العقاب (تصفيق). فعندما تظل الجريمة بدون عقاب، يحل الانتقام محل العدالة؛ يقوم أقارب الضحايا وأصدقاؤهم وزملاؤهم، الذين لا يستطيعون تحمل وجود المجرمين الذين انتزعوا أرواحهم في الشوارع، بالأخذ على عاتقهم تحقيق العدالة بأيديهم، فيحلّ الانتقام والفوضى والاضطراب في المجتمع.
لا شيء أشدّ ضرراً على الشعوب من الإفلات من العقاب على الجريمة، لأن الإفلات من العقاب على الجريمة تحديداً كان السبب في نشوء عصابة القتلة في بلدنا، ظهور هذا النوع من الإنسان النذل، الوضيع، المتوحش، الذين لا يتمتع بأدنى حد من الإحساس بحقوق ومشاعر الآخرين، لا يتمتع بأدنى حد من الإحساس بآلام الآخرين. مثل هذا الإنسان الوضيع لا ينشأ إلا في تلك المجتمعات التي تفتقد للعدالة.
ماذا كان يقول الزبانية؟ كان الزبانية يقولونها للسجناء وهم يعذبونهم: "لن يحدث لي شيء أيها الصبي، فشيئاً لم يحدث لأي شخص هنا على الإطلاق. أنظر إلى بيدرازا، بملايينه، على الرغم مما قتل من الناس، كيف أنه حر وكيف يستمتع بثروته وكيف أنه لم يحدث له شيء، أنظر إلى فلان كيف أنه لم يحدث له شيء، وانظر إلى الآخر كيف أنه لم يحدث له شيء"، هذا ما كان يقوله المجرمون". ولهذا هم قاموا بالتعذيب كما لم يسبق أن حدث أبداً من قبل في كوبا، ولهذا هم قاموا بالقتل كما لم يسبق أن حدث قط في كوبا.
لم يكن بالإمكان بأي حال من الأحوال قبول فكرة بقاء الجريمة دون عقاب. لا يوجد شعب على وجه الأرض أكثر حساسية من شعبنا، ولا يوجد شعب على هذه الأرض أكثر رأفة من الشعب الكوبي، ولا أكثر كرماً من الشعب الكوبي. لكي نفهم ما هو الشعب الكوبي، يكفي أن نقول إنه لا يمكن أن يكون هناك عروض مصارعة ثيران هناك، لأن الشعب ببساطة لا يريد ذلك، ويؤلمه رؤية تلك الحيوانات تسقط صريعة في الساحة (تصفيق).
إذا ما أصدر وزير الصحة في مدينة هافانا أمراً بإبادة جميع الكلاب الضالة، فسوف تنشأ على الفور احتجاجات لا حصر لها ضد هذا الأمر، لأن شعبنا حساس حتى لقتل كلب في الشارع (تصفيق). ومع ذلك، وفي أمر غير معهود، بلغ ما عاناه شعبنا من مجرمي الحرب من ألم عميق، ومن حزن عميق، وبلغت جراحه من الكبَر، مبلغ أن الشعب وافق بالإجماع على ضرورة إعدام الزبانية (صيحات وتصفيق).
وذلك الشعب الأبي، الذين لا يريد عروض مصارعة ثيران لأنه يؤسفه موت تلك الحيوانات في الساحة العامة؛ ذلك الشعب الذين لا يحتمل حتى قتل الكلاب الضالّة، وافق بالإجماع على إعدام الزبانية (هتافات) . لم يكن الأمر يتعلق بشعور بالحقد، ولم يكن الأمر يتعلق بدافع انتقامي. فلو أن شعبنا انساق للحقد والانتقام، لكان من اليوم الأول قد سحل وقتل جميع الزبانية. لا، إنما هو كان إحساساً بالعدالة؛ وكان أيضاً الإيمان بضرورة تطبيق العدالة حتى لا يظهر الجلادون والقتلة مرة أخرى في وطننا (تصفيق).
لم يكن المجتمع الكوبي يريد أن يحدث ما حدث مرة أخرى بعد ثمانية أو عشرة أعوام أو بعد 15 عاماً. كان لا بدّ من اجتثاث بذرة الجريمة، كان لا بدّ من القضاء وإلى الأبد على الإفلات من العقاب على الجريمة، وهذا ما شرع شعب كوبا في القيام به. كيف فعل ذلك؟ بشكل منظم، لم يسحلهم، بل قام بتسليمهم إلى المحاكم الثورية، ومحاكم الأشراف تلك، أولئك الضباط في الجيش الذين لم يلطخوا أيديهم أبداً بقتل سجين، ولم يتخلوا أبداً عن رجل جريح، هم الذين كانوا القضاة. ، وبدأوا بتطبيق قانون "الجيش الثائر"، وبالتالي تطبيق عقوبة الإعدام على مجرمي الحرب (تصفيق).
في سبيل تجنب أدنى خطأ، في سبيل تجنب أي ظلم، لم يُحكم بالإعدام في الحالات المتعلقة بجريمة معزولة، بل كانوا يدينون حالات القتل المتواصل، كان يُحكم بالإعدام على أولئك الزبانية الذين قتلوا 10، 12، 20، 30، 100 من أبناء وطننا، لكي لا يكون هناك شك. لقد تم ذلك من خلال محاكم، وعلناً، وبموجب القوانين الثورية التي تم إقرارها منذ زمن طويل في سييرا مايسترا. هذه هي العدالة التي تم تطبيقها. لكن، قبل فترة طويلة من دخول الثورة الكوبية في إجراءاتها الاجتماعية والاقتصادية، واجهت حملة من قبل أعدائها، واجهت حملة مباغتة من قبل أعداء الثورة؛ وبدأوا بمهاجمتنا من تلك الزاوية، وبدأوا يقولون للعالم بأننا نقتل أنصار باتيستا في الشوارع.
ماذا فعلنا نحن؟ ماذا كانوا يريدون هم؟ لقد أرادوا، أولاً وقبل كل شيء، فصل الرأي العام في كوبا عن الرأي العام في بقية القارة، أرادوا فصلكم عنا، أرادوا فصل البيروفيين والإكوادوريين والمكسيكيين والأوروغوائيين والأرجنتينيين عنّا، أرادوا أن يحرمونا من الأصدقاء الوحيدين الذين كانوا لدينا في مرحلة النضال، وأن يضعفونا أولاً أمام الرأي العام العالمي، ومن ثم تقسيمنا داخل البلاد، ومن بعدها الهجوم علينا؛ وعندما نكون مفصولين عن الرأي العام العالمي ومنقسمين وطنياً، الهجوم على الثورة، إرسال حملة صغيرة من أتباع باتيستا أو عناصر رجعيين ضد الثورة الكوبية. ماذا فعلنا نحن؟ مواجهة الحملة، دعوة الشعب الكوبي إلى احتفال جماهيري دعماً للعدالة الثورية. وهناك، دعم مليون كوبي – وهو رقم غير مسبوق في تاريخنا – بالإجماع الحكومة الثورية والعدالة الثورية (تصفيق).
قمنا بدعوة الصحافيين من جميع أنحاء القارة وخلال 72 ساعة جمعنا 380 صحافياً من جميع أنحاء القارة هناك أمام هذا التجمع الحاشد. في اليوم التالي، خضعتُ لاستجواب أولئك الصحافيين الـ 380؛ الذين أتيح لهم أن يسألوا بحرية ما يريدون، على أن يُجاب على جميع أسئلتهم بشكل دامغ ودون تردد من أي نوع (تصفيق).
قلنا لهم إن الثورة الكوبية ليس لديها ما تخفيه، وإن الثورة الكوبية قد تصرفت في العلن، وأن سياستها تبلغ من الاستقامة ما يمنعها من خشية الانتقاد، وأن سلوكها يبلغ من الشفافية ما لا يضطرها لإخفاء أي من إجراءاتها، وأنه خلافاً لما كانت تفعله الديكتاتوريات بإلغاء حرية الصحافة، وخلافاً لما كانت تفعله الحكومات الفاسدة، التي تخفي أفعالها عن الصحافة وعن الرأي العام في العالم؛ نحن، مع إدراكنا الكامل بأن أفعالنا صادقة ومستقيمة، خضعنا لما يحكم به الرأي العام في العالم. اسألوا - قلنا لكم وسألوا - عن كل القضايا، وعلى الأخص، اسألوا عن المحاكمات، التي سنشرحها لكم حتى لا تنخدع الشعوب بالمصالح المعادية لشعوبنا، لكي لا تذهب الشعوب ضحية سخرية تلك المصالح، حتى لا تنقسم الشعوب، حتى لا تتباعد الشعوب، لأن همّ أعداء شعوب القارة الأمريكية هو أن نبقى بعيدين عن بعضنا البعض.
أؤكد لكم أن هذا الحشد اليوم سيكون سبباً آخر لكي أكسب كراهية أعداء الثورة الكوبية، لأن ما لا يريدونه هو أن تتحد الشعوب (تصفيق وهتافات: "عاش فيدل كاسترو!").
لقد ظنوا بأن الثوار الكوبيين هم رماة رصاص وأنه عندما تُهزم الدكتاتورية سيكون من السهل عليهم سحقهم، لكنهم وجدوا أن الأمر ليس بهذه السهولة، لأننا طرقنا باب أصحاب الضمير في القارة الأمريكية، ونحن نطرق باب شعوب القارة الأمريكية لكي تدعمنا، وفي وجه الأكاذيب الإجرامية للمصالح المعادية للشعوب، حقيقة الثورة! (تصفيق وهتافات).
لقد جمعنا الشعب، وكان ذلك الحشد الهائل لمليون كوبي الذين رفعوا أيديهم دعماً لإعدام الزبانية، أكبر تكذيب يمكن توجيهه إلى المُشهِّرين والأعداء الأبديين لشعوبنا، التي يعتبرونها شعوباً بائسة وشعوباً بلا كرامة. وشكّل ذلك الاحتفال أقوى وأمتن دعم يمكن أن تحظى به الحكومة الثورية الكوبية. لم تكن كوبا بحاجة إلى أعضاء كونغرس يقفون للحديث عن العدالة، وأقل من ذلك شأناً قيام أي من أعضاء الكونغرس هؤلاء بالاحتجاج على مقتل 20 ألف من مواطنينا على مدار سبع سنوات (تصفيق). ناهيك عن أنه لم يكن ممكناً لشعبنا أن يقبل بتهديده بالتدخلات، لأننا قلنا بأن عصر التدخلات قد ولّى إلى الأبد في القارة الأمريكية (تصفيق).
تم شن حملة التشهير والتهديد، لكن في مواجهة هذه الحملة، توحد شعبنا ووقف بحزم وقال بالإجماع: "لتتواصل الإعدامات، لأن الإعدامات عادلة وليس على أحد هنا...!" (تصفيق).
رجال يحملون شتى الأفكار وينتمون إلى مختلف الطبقات الاجتماعية، رجال من جميع الأديان، دعموا الحكومة الثورية في إجراءاتها القضائية. يوجد بين أبناء شعوبنا ما يكفي من الرجال ذوي الحساسية وما يكفي من الرجال الشجعان لكي يهبّوا لإدانة الجريمة عندما تكون هناك جريمة. يوجد بين أبناء شعوبنا ما يكفي من الرجال ذوي الحساسية، وما يكفي من الرجال الشجعان للكشف عن الظلم عندما يكون هناك ظلم؛ ليس على شعوبنا أن تنتظر صحافيين غرباء، ممن لا يشعرون ولا يعانون من الآلام التي تشعر بها وتعانيها شعوبنا، لكي يأتوا للاحتجاج على الجريمة والظلم (هتافات).
ليس صحافيونا بعديمي الحساسية، وليس نقابيونا بعديمي الحساسية، وليس مثقفونا بعديمي الحساسية، وليس طلابنا بعديمي الحساسية، وليست نساؤنا بعديمات الحساسية، ولا كذلك قساوستنا، أياً كانت الديانة التي يمارسونها، ليسوا بعديمي الحساسيّة، وبالتالي، عندما لم يقف كوبي واحد في ظل نظام الحريات المطلق للاحتجاج على ذلك، بل على العكس تماماً، أيده رجال من كل مشارب الفكر ومن جميع الطبقات الاجتماعية، ما كان على أحد في الخارج أن يأتي ليقدم نفسه على أنه صديق للإنسانية، صديق للعدالة (تصفيق).
بما أنهم لم يحتجوا عندما كانت القنابل تُرسل إلى دكتاتورية باتيستا وكانت تُرسل له الطائرات لقتل الكوبيين، وبما أنهم لم يحتجوا عندما كانت تُرسل الدبابات إلى دكتاتورية باتيستا، وكانت تُرسل إليها المدافع لقتل الكوبيين، فإن الأولى بهم هو إغلاق أفواههم، وانتظار ما يفعله الشعب الكوبي وترك شعب كوبا في سلام (تصفيق).
هذا هو الواقع أيها الإخوة الفنزويليون. ويمكنني أن أتحدث إليكم بهذه الطريقة لأنني أعلم أنكم تفهمونني، لأنني أعلم بأنكم تفهمون شعبنا، لأنني أتحدث إليكم باللغة التي لا يمكن أن يفهمها إلا الشعوب التي عانت كما عانى شعبنا (تصفيق).
أولئك الذين لم يضطروا إلى تحمل بيريز خيمينيز وباتيستا وحاشيتاهما، أولئك الذين لم يضطروا إلى تحمل فينتورا وإسترادا وحاشيتاهما، أولئك الذين لم يضطروا إلى تحمل عصابات القتلة هذه، لا يمكن أن يكون لديهم أدنى فكرة عمّا هو الرعب، عمّا هو العذاب الذي عانته هذه الشعوب (تصفيق وهتافات: "عاش فيدل!").
وعليه، حتى لو تواصلت الهجمات - وسوف تتواصل الهجمات، وسوف تتواصل الهجمات بشكل متزايد وأكثر كثافة يوماً بعد يوم-، إلا أن العدالة ستتحقق في وطننا، لأنه لا شيء ولا أحد يستطيع أن يتجاوز إرادة وطننا في السيادة (تصفيق).
وما قلته هناك، أكرره هنا: "حتى لو غرق العالم، ستحلّ العدالة في كوبا!" (تصفيق وهتافات: "عاش فيدل!").
لذلك، أيها الإخوة الفنزويليون، فإن هذا الاستقبال الذي يحظى به، ليس رجل، وإنما شعب، وليس فضيلة، وإنما فكرة، وهذا التكريم النزيه للذين لم يفعلوا شيئاً سوى تلقي خدماتكم، هذا التكريم الذي يجري لفكرة عادلة، لقضية عادلة، لشعب شقيق، هذا التكريم هو الخدمة الأكثر تحريكاً للمشاعر وأعظم خدمة أمكن تقديمها لشعبنا تحت أي ظرف من الظروف (تصفيق). لأن حقيقة أن يأتي ممثل للثورة الكوبية إلى فنزويلا، ولا يتعرض للقذف بالطماطم ولا البيض الفاسد، وإنما الترحيب به والتصفيق له من قبل مئات الآلاف من الفنزويليين، يكشف الجانب الذي تقف فيه مشاعر شعوب القارة الأمريكية. يكشف بأن شعوب القارة الأمريكية متيقظة للغاية، وأن شعوب القارة الأمريكية لم تبتلع الأكذوبة (تصفيق وهتافات).
عندما وصلت إلى هنا إلى فنزويلا، شعرت بالفخر والرضا، وبأكبر دافع للإعجاب بهذا الشعب لدى رؤيتي بأنه بعيداً عن تصديق هذا الأكذوبة القبيحة، فإن هذا الشعب الذي عانى، هذا الشعب الذي يعاني ذات الجراح، يقول لي بالإجماع، ليس بالكلام، وإنما بالبادرة، أن القتلة سينالون عقابهم! (تصفيق وهتافات: "تسقط الإمبريالية، يعيش فيدل!").
إذن، هذه القارة الأمريكية متيقظة جداً بحيث لا يمكن خداعها. هذه القارة الأمريكية متحسّبة جداً بحيث لا يمكن إخضاعها مرة أخرى. لقد اكتسبت هذه الشعوب وعياً لمصيرها أكبر من أن تسلّم مجدداً للقهر والإذلال البائس الذي نعيشه منذ أكثر من قرن من الزمن (تصفيق وهتافات).
تعلم هذه الشعوب الأمريكية أن قوتها الداخلية تكمن في وحدتها، وأن قوتها القارية تكمن أيضاً في وحدتها (تصفيق).
تعلم هذه الشعوب الأمريكية أنه إذا كانت لا تريد الذهاب ضحية للطغيان مرة أخرى، ولا تريد أن تذهب ضحية للعدوان مرة أخرى، فلا بدّ لها من أن توحّد كلمتها أكثر فأكثر، ولا بد من توطيد الروابط فيما بين الشعوب، ومن أجل ذلك أتيت إلى فنزويلا: حاملاً رسالة ليس من طيف أو جماعة، بل رسالة من شعب إلى شعب (تصفيق).
جئت، باسم الشعب الذي ثار على الدكتاتورية وأطاح بها، حاملاً رسالة تضامن إلى الشعب الذي ثار أيضاً على الدكتاتورية وأطاح بها (تصفيق).
جئت، باسم الشعب الذي يلتمس منكم اليوم المساعدة والتضامن، لأقول للفنزويليين أننا جاهزون أيضاً للمساعدة والتضامن غير المشروطين وبأي شكل من الأشكال عندما تحتاجونهما (تصفيق وهتافات).
وفي هذا الحفل المهيب، أمام مئات الآلاف من الوجوه الكريمة التي تثير عندنا الحماس بمحبتها وتعاطفها، أمام هؤلاء الإخوة من فنزويلا، الذين هم إخوتي، الذين هم بالنسبة لي كما لو كانوا كوبيين، لأنني أشعر هنا كما لو كنتُ في كوبا، أقول لكم إنه إذا وجدت فنزويلا نفسها تحت وطأة دكتاتور مرة أخرى، سيكون الكوبيون إلى جانبكم (تصفيق وهتافات: "يحيا فيدل!")، مقاتلو سييرا مايسترا سيكونون إلى جانبكم، رجالنا وأسلحتنا ستكون إلى جانبكم. يوجد هنا في فنزويلا من الجبال أكثر بكثير من الموجودة في كوبا، ويوجد هنا في فنزويلا من السلاسل الجبلية أكثر ارتفاعاً بثلاث مرات مما هي سييرا مايسترا، كما أنه يوجد هنا في فنزويلا شعب ثائر، شعب أبيّ، وشعب بطل كما في كوبا، ونحن، الذين رأينا ما يستطيع الكوبيون فعله، نجرؤ على الحديث عما يمكن للفنزويليين أن يفعلوه (تصفيق وهتافات).
أثناء رحلتي في طائرة قدومي اليوم، تلك الطائرة التي تكرّم شعب فنزويلا بإرسالها من أجل نقلي إلى هذه الأرض الحبيبة، أثناء وجودي على متن الطائرة ومشاهدتي لتضاريس فنزويلا، ورؤيتي لغاباتها وجبالها الشامخة، قلت لأحد طياري الطائرة: "تلك الجبال هي ضمانة بأنكم لن تفقدوا حريتكم أبداً بعد اليوم". (تصفيق وهتافات).
هذا الشعب الذي يمدّنا بالحماس والدعم المعنوي، لا يمكننا إلا أن نمدّه أيضاً بالحماس والدعم المعنوي، ويمكننا أن نمدّه بالإيمان، ويمكننا أن نمدّه بالثقة في مستقبله. ويا ليت أن مستقبل فنزويلا ومستقبل كوبا ومستقبل كل شعوب القارة الأمريكية يكون مستقبلاً واحداً، لأنه كفانا إقامة تماثيل لسيمون بوليفار ونسيان أفكاره، ما علينا فعله هو الامتثال لأفكار بوليفار. ! (تصفيق وهتافات: "عاش فيدل!").
إلى متى سنبقى في السبات العميق؟ إلى متى سنظل قطعاً لا حول لها ولا قوة في قارة تصور محررها شيئاً أكثر جدارة وعظَمة؟ إلى متى سنظل نحن الأمريكيون اللاتينيون نعيش في هذا الجو البائس والتافه؟ إلى متى سنبقى منقسمين؟ إلى متى سنظل ضحايا مصالح كبرى تجثم على صدر كل واحد من أبناء شعوبنا؟ متى سنطلق شعار الوحدة العظيم؟ يتم إطلاق شعار الوحدة داخل البلدان، فلماذا لا يطلق شعار وحدة البلدان أيضاً؟ (تصفيق).
إذا كانت الوحدة داخل البلدان مثمرة وهي ما يسمح للشعوب بالدفاع عن حقوقها، فلماذا لا تكون وحدة البلدان التي لديها نفس المشاعر، ونفس المصالح، ونفس العرق، ونفس اللغة، ونفس المشاعر الطموح البشري أكثر جدوى بعد؟ (تصفيق).
منذ أن بدأت بزيارة فنزويلا - وأنا لا أعرف كيف أميز بين فنزويلي وكوبي ودومينيكي - عندما يحدث لي ما حدث لي اليوم، حيث يقول لي كثيرون: "والآن تروخيو! والآن تروخيو! والآن تروخيو! (هتافات)، وكانوا يقولون لي ذلك بشعور ملتهبة لدرجة أنني تساءلت: أتراهم فنزويليون أم دومينيكان؟ لكن من المستحيل أن يتواجد كل هذا العدد من الدومينيكان هنا، فلا بد أن يكون هؤلاء فنزويليون ويتحدثون كما لو كانوا دومينيكان. عندما نفكر جميعنا بنفس الطريقة، وعندما نعاني جميعنا من نفس الشيء، عندما نطمح جميعاً إلى نفس الشيء، عندما لا نختلف عن بعضنا بشيء، عندما نكون متماثلين تماماً، ألا يبدو من العبث ببساطة أن يسمى البعض كوبيون ويُسمّى آخرون فنزويليون، ونبدو كأننا أجانب فيما بيننا، ونحن ما عليه من إخوة، نحن الذين نفهم على بعضنا تماماً؟ (تصفيق).
ومن الذي يجب أن يكونوا الدافعين لهذه الفكرة والدفاع عنها؟ الفنزويليون، لأن الفنزويليين أطلقوها إلى القارة الأمريكية، لأن بوليفار هو ابن فنزويلا وبوليفار هو صاحب فكرة اتحاد شعوب القارة الأمريكية (تصفيق وهتافات: "فيدل، فيدل، فيدل!").
لا بدّ وأن يكون أبناء بوليفار أول أتباع أفكار بوليفار. وحضور الشعور البوليفاري في فنزويلا تثبته هذه الحقيقة، هذا الاهتمام بالحريات في كوبا، هذا الاهتمام الاستثنائي بكوبا. ما هو هذا إن لم يكن شعوراً بوليفارياً؟ ما هو هذا إن لم يكن اهتماماً بحرية شعوب أخرى؟ (تصفيق) وبدعمهم لنا بهذه الطريقة العظيمة التي دعموا بها قضية كوبا اليوم، ما هو هذا إن لم يكن اتّباعاً لأفكار بوليفار؟ ولماذا لا نفعل تجاه شعوب أخرى ما نفعله تجاه كوبا؟ لماذا لا نفعل ذلك تجاه سانتو دومينغو ونيكاراغوا وباراغواي، وهي المعاقل الثلاثة الأخيرة المتبقية للاستبداد؟ (تصفيق وهتافات).
فنزويلا هي أغنى دولة في القارة الأمريكية، وفنزويلا لديها شعب عظيم، وفنزويلا لديها قادة عظماء، مدنيون وعسكريون على حد سواء؛ فنزويلا هي موطن "المحرّر"، حيث وُلدت فكرة اتحاد شعوب القارة الأمريكية (تصفيق). وبالتالي، يجب أن تكون فنزويلا الدولة الرائدة في اتحاد شعوب القارة الأمريكية؛ نحن الكوبيون ندعمهم، نحن الكوبيون ندعم إخوتنا الفنزويليين (تصفيق وهتافات: "فيدل، فيدل!").
أتناول هذه الأفكار ليس بدافع أي طموح شخصي، ولا حتى طمعاً بالمجد، لأن الطموح إلى المجد، في النهاية، لا يمكنه إلا أن يكون غروراً، وكما قال مارتيه: "كل مجد العالم تتسع له حبة ذرة واحدة" (تصفيق).
أتناول هذه الأفكار ليس بدافع أي رغبة بتحقيق العظمة، فمن الصعب على أي شخص أن يصبح عظيماً وهو يصارع كثيراً من العقبات. نحن نعلم جميعاً ما حدث للرجال الذين طرحوا هذه الأفكار: لقد قاموا بقتلهم عاجلاً أم آجلاً. وعليه، عندما آتي للتحدث بهذه الطريقة إلى شعب فنزويلا، إنما أفعل ذلك وأنا أفكر بصدق وعمق، بأنه إذا ما أردنا إنقاذ القارة الأمريكية، وإذا ما أردنا إنقاذ حرية كل مجتمع من مجتمعاتنا -لأنه في نهاية المطاف جزء من مجتمع كبير، وهو مجتمع أمريكا اللاتينية-؛ إذا ما أردنا إنقاذ ثورة كوبا، وثورة فنزويلا، وثورة جميع بلدان قارتنا، علينا أن نتقارب وعلينا أن ندعم بعضنا البعض بقوة، لأنه بمفردنا ومنقسمون سوف نفشل.
الحرية في القارة الأمريكية، والديمقراطية في القارة الأمريكية، والدستورية في القارة الأمريكية، شهدت صعوداً وهبوطاً. فقبل 10 سنوات كانت حقبة تراجع وظهرت الديكتاتوريات. لقد أطيح بالحكومة الدستورية في فنزويلا، وأطيح بالحكومة الدستورية في كوبا، وأطيح بالحكومة الدستورية في بيرو والحكومات الدستورية في بلدان أخرى؛ كان قليلاً عدد البلدان التي يمكن للملاحقين سياسيا أن يلجأوا إليها، وبالكاد كان قد تبقى ركن من أركان القارة الأمريكية لا يخضع للحذاء العسكري.
آه، اليوم مختلف. فصحوة شعوب القارة الأمريكية، وتحرر فنزويلا النموذجي، الذي أعقبه تحرر كوبا، والذي سيعقبه تحرر شعوب أخرى، جعلت الديمقراطية، جعلت الحرية، جعلت حقوق الإنسان، جعلت الدستورية في موقع الهجوم في القارة الأمريكية، والآن هي ثلاث دول لا أكثر هي التي لا يزال فيها الطغيان سائداً. وكما هم اعتدوا علينا، وكما هم اجتمعوا معاً لحياكة المؤامرات العسكرية في بلداننا، فلنتحد نحن أيضاً الآن لتعزيز حرية الشعوب المضطهَدة في تلك البلدان! (تصفيق وهتافات). بدون خوف من أي شيء أو من أحد، فلا ينبغي لنا أن نخاف؛ وإذا وحدنا قوى الرأي العام في أميركا اللاتينية، لن يكون بالإمكان قهرنا؛ دون خوف من أي شيء أو أي أحد، وإنما من منطلق مجرّد غريزة الحفاظ على الذات، لأننا جميعاً عانينا بشدة في السنوات الماضية، في العقود الماضية. انطلاقاً من غريزة الحفاظ على الذات، ومن غريزة إدامة عِرقِنا ومصالحنا، علينا ببساطة أن نتحد ونبدأ في التبشير بالفكرة. ومع الكلمة الشروع بالفعل، وإذا كان بالإمكان، بالأفعال أكثر من الأقوال (تصفيق).
أكرر بأننا نحن الكوبيون سنكون إلى جانب الفنزويليين ونعلم أن الفنزويليين سيعرفون كيف يقومون بواجبهم. لقد أصبح لديهم حكومة دستورية نتيجة الانتخابات الحرة والإرادة الشعبية (تصفيق). لديهم قادة عسكريون، لكنهم عسكريون يعرفون كيف يعطون الأولوية، كجنود حقيقيين، لمشاعر شعبهم وبلدهم، مثل وولفانغ لارازابال (هتافات).
لديهم قادة مدنيون مثل رئيس الجمهورية المنتخب، رومولو بيتانكورت (هتافات)؛ لديهم قادة مدنيون مثل رؤساء مختلف الأحزاب الذين اتحدوا بشكل مثالي للدفاع عن الدستورية والحرية الفنزويلية؛ لديهم مرشدون، لأنه لو لم يكن لدى فنزويلا مرشدين أذكياء، لما كانت فنزويلا موحدة كما هي اليوم، ولما كانت لفنزويلا ديمقراطية متينة كالتي تتمتع بها اليوم. الوحدة فوق كل المشاعر، الوحدة فوق التنافر الذي قد يكون موجوداً بين بعض الأحزاب وبعضها الآخر (تصفيق).
لم أذكر أسماء لكي تنتقدونها أو تصفقوا لها، فأنا لست مع أي حزب في فنزويلا، أنا مع فنزويلا! (تصفيق) ويجب أن تكون فنزويلا فوق كل رجالها، ويجب أن تكون فنزويلا فوق كل الأحزاب.
قال لي أحدهم اليوم، وهو على حق: طالما أننا متحدون، فنحن آمنون؛ وستكون مصيبة فنزويلا في ما إذا انقسمنا (تصفيق وهتافات: "وحدة، وحدة!").
لفنزويلا الموحدة، فنزويلا الأكثر نضوجاً، فنزويلا الأكثر تأهباً يوماً بعد يوم، وفنزويلا وإلى جانبها كوبا، فنزويلا بشعبها، فنزويلا بثروتها، فنزويلا بجبالها، مستقبل عظيم وباهر في القارة الأمريكية (تصفيق). لقد ضمنت فنزويلا حريتها.
أتمنّى وأعبر هنا عن أملي الكبير في أن يكون إخواننا الفنزويليون، الإخوة الذين جلبوا الحرية لجميع شعوب القارة، وبالتالي، هم أول مستحقي الاستمتاع بهذه الحرية، الحرية الآمنة -لأنه إذا لم تكن الحقوق والحريات آمنة، لا يمكن القول أن هناك حريات أو أن هناك حقوق، لأنه عندما يكون هناك خوف من فقدانها، لا توجد حرية ولا توجد حقوق-، ألا يذهب هذا البلد أبداً مرة أخرى ضحية للطمع وللخيانة (تصفيق). أعبّر عن أمنيتي الحارة، نيابة عن شعب كوبا، بأن يسير شعب فنزويلا الأبيّ هذا، أن يسير كل رجاله الشرفاء، من مدنيين أو عسكريين، وأكثر من مدنيين أو عسكريين، لكي تختفي هذه التفرقة، المواطنون المسلحون أو المواطنون غير المسلحين، الأخوة بدون فرق في الانتماء الطبقي أو المصالح الطائفية أو مصالح الجماعات -وأكرر - أعبر عن أمنيتي الحارة بأن يسير جميع رجال فنزويلا الشرفاء معاً لضمان حرية فنزويلا، ولضمان حقوق الشعب الفنزويلي، على نحو تكون فيه الحرية التي يتمتعون بها حرية آمنة، من دون أي خوف من فقدانها؛ بحيث تكون الحقوق التي يتمتعون بها حقوقاً مضمونة ومن دون أي خطر يهدد بفقدانها.
وأنا على ثقة بأن فنزويلا لن تفقدها. تكفي رؤيتنا لهذا الشعب اليوم، تكفي رؤيتنا لهذا الشعب اليوم لنعرف أن شعباً عظيماً كهذا، شعباً يبلغ كل هذا الإباء كهذا الشعب، من الصعب أن يسمح باستباحة حقوقه بسهولة (تصفيق). علاوة على ذلك، أعتقد أنه ليس هناك من يجرؤ على محاولة انتزاع حقوق شعب فنزويلا (تصفيق وهتافات: "لا!"). وشيء آخر: بتقديري أنهم أقل جرأة بعد على محاولة انتزاعها منهم الآن، بعد أن تبين أنه لا توجد قوى لديها من العِظَم ما يكفي في وجه شعب مصمم على القتال، وأنه ليس هناك من سلاح على ما يكفي من الحداثة والقوة ليهزم شعب يكافح من أجل حقوقه (تصفيق وهتافات)، وأن ليس هناك من يجرؤ على محاولة انتزاع حقوق شعب فنزويلا وقتما ثبت بأنه زائف القول بأن الشعوب عاجزة. وأنه زائف القول بأن الشعوب يمكنها أن تستسلم ، بينما هي تقاتل والسلاح في أيديها، وأن ليس هناك من جيش في العالم قادر على إبقاء شعب مضطهداً إذا قرر هذا الشعب النضال من أجل حريته، كما فعل الشعب الكوبي، وكما أنا متأكد بأنه يُمكن أن يفعل شعب فنزويلا في هذه اللحظات (تصفيق).
إخوتي الفنزويليون، أعتقد أنني تحدثت بما فيه الكفاية (صيحات: "لا!"). يكفي لهذا اليوم (صيحات: "لا!"). إذا كان بإمكانكم أن تثقوا بشيء، فثقوا بشيء واحد، وهو أنني تحدثت من قلبي، تركت مشاعري تتحدث (تصفيق)؛ لا أعرف إذا كنت بالسماح لمشاعري بالتحدث بحرية قد انتهكت أي من القواعد التي يتوجب على الضيف الالتزام بها (صيحات: "لا!").
أنا لا أسعى لوضع مبادئ توجيهية لهذا الشعب، لأن هذا الشعب هو الذي وضع دائماً مبادئ توجيهية لشعوب أخرى. لم أفعل شيئاً آخر غير التحدث إليكم كما تحدثت مع أبناء وطني. فهي محفورة في ذهني تلك الاحتفالات. أحمل في قلبي وقع الحشود التي رأيتها تتجمع هناك وهنا. أحمل في داخلي كل الإيمان الذي تستطيع الحشود ضخه في البشر. لقد تكلمت بالأفعال أكثر من الكلمات، وأكرر هنا، أفعال كالتي نقوم بها نحن الكوبيون، والكلمات أيضاً، عندما تكون الكلمات ضرورية، كما فعلنا نحن الكوبيون، وكما فعل الفنزويليون.
وكما قلت لكم، كختام، أنني لم أفعل شيئاً أكثر من الإيمان بنفسي والتصرف كشخص يشعر بأنه بين أهله. يصعب عليّ أن أتخيل بأنني قد غادرت كوبا، لأنني أرى هنا نفس الشيء الذي أراه في كوبا، نفس المودة، نفس الحماس (تصفيق).
لقد تحدثت إليكم كما أتحدث إلى الكوبيين بنفس الثقة وبنفس الصدق والصراحة وبنفس الطبيعية.
لم يبقَ إلا أن أقول لإخوتي الفنزويليين أنه لن يكون أمام كوبا طريقة أبداً لرد جميل هذه اللفتة التضامنية، وأنه لن يكون لدى كوبا أبداً طريقة لرد الجميل على هذا الدعم المعنوي الرائع والعظيم الذي قدمه لها شعب فنزويلا هذا اليوم (تصفيق وهتافات)، ولن يكون لدي أبداً، أبداً، ما يسمح لي بالتعبير لشعب فنزويلا عن تقديري للتشجيع الذي تلقيته هنا.
أشعر اليوم بقوة لم أكن أشعر بها يوم أمس، وإذا ما كنت شعرت يوم أمس بحماس، وإذا ما كنت قد شعرت بحماس حتى في أحلك لحظات هذا القتال عندما لم نكن أكثر من حفنة من الرجال، وإذا ما كنّا قد شعرنا بالقوة على مواجهة أشرس المصالح التي لا تريد للثورة الكوبية أن ترفع رأسها، لأنها تخشى الثورة الكوبية، وخاصة بسبب قوة نموذجها في عيون باقي شعوب القارة الأمريكية، وهذا الدعم الذي تم تقديمه لذلك البلد، الذي يقع هناك، هناك أبعد شمالاً، الأقرب إلى تلك المصالح التي تهددها (هتافات)، القوة التي أشعر بها للمضي قدماً دون راحة وبلا تردد، هذه القوة التي زودني بها الشعب الفنزويلي اليوم، لن أجد أبداً الكلمات التي تمكنني من التعبير عن مدى عرفاني لها. إنما فقط أعد هذا الشعب الطيب والسخي، الذي لم أعطه شيئاً والذي تلقينا منه نحن الكوبيون كل شيء، أن نفعل من أجل شعوب أخرى ما فعلتموه أنتم من أجلنا (تصفيق وهتافات)، وألا نشعر بأن من حقنا أن نستكين طالما أن هناك إنسان واحد في أمريكا اللاتينية يعيش تحت عار الطغيان (تصفيق).
تحت تأثير أعظم شعور في حياتي، لأن دخول كاراكاس كان بالنسبة لي أكثر إثارة من دخول هافانا، لأنني هنا تلقيت كل شيء ممن لم يتلقوا أي شيء مني، كل التكريمات، التي هي أكبر بكثير من التي أستحق، والتي لا أرى فيها تكريماً لرجل، بل تكريماً لقضية، تكريماً يتجاوزنا نحن الذين ما زلنا نخوض المعركة، تكريماً للمقاتلين الشجعان الذين سقطوا في سنوات القتال هذه؛ وتحت تأثير أعظم شعور في حياتي، أستودع هذا الجمهور المهيب، أستودع أخوتي الفنزويليين (تصفيق وهتافات: "لا!").
ليت أنه يكون بالإمكان يوماً التعبير عنها أو فهمها بكل معانيها العميقة، باسم الشعب الكوبي، باسم المبادئ التي ندافع عنها، باسم تلك الشعوب التي تنتظر مساعدتكم ومساعدتنا، ومن عمق أعماقي، أقول لإخوتي الفنزويليين، الذين لم يفعلوا شيئاً سوى إعطائنا دون أن يتلقوا منا شيئاً، شكراً جزيلاً لكم أيها الإخوة الفنزويليون؛ شكرا جزيلاً! (تصفيق وهتافات)
الطبعات الاختزالية – مكاتب رئيس الوزراء