نص الخطاب الذي ألقاه القائد العام فيدل كاسترو روز لدى وصوله من منظمة الأمم المتحدة، أمام الحشد قبالة القصر، يوم 28 أيلول/سبتمبر 1960.
التاريخ:
أيها الكوبيون:
لسنا نحن... (في إشارة لعيوب في مكبّرات الصوت لم تسمح للشعب المجتمع قبالة القصر بالسّمع).
أنا أظن بأن الإمبريالية تقوم بالتخريب، بطريقة أو بأخرى تلجأ إلى السحر أو إلى شيء من هذا القبيل.
أردنا أن نقول لكم بأننا لم نكن متفقين تماماً مع فكرة حشد الشعب لدى عودتنا (صيحات: "فيدل! فيدل!"). يبعث القلق عندنا الاضطرار لمغادرة البلاد باستمرار، إن لم يكن الرئيس، فوزير الدولة أو العلاقات الخارجية، أو رئيس الوزراء أو غيرهم... وعلينا أن نشارك في منتديات من هذا النوع، وليس من المنطق أنه في كل مرّة نغادر ونعود فيها، تنفيذاً لمهام عملنا، لأن هذا من مهام عملنا أيضاً، أن يضطر الشعب أن يجري لنا مراسم استقبال (صيحات: "نعم!")
(مشكلات فنيّة في مكبرات الصوت)
لكن، على كل حال، من واجبنا أن نستغلّ الفرصة... (الحضور يحتجون لعدم تمكّنهم من السمع). سوف نستغلّ هذه الفرصة للتوجه بكلمة، لقول بعض الحقائق بإيجاز (احتجاجات من الحضور)، والتعبير عن بعض الانطباعات... (الصوت ينقطع مجدداً) لا أفهم لماذا لا يُسمع الصوت اليوم... حسناً، لنرى إن كنت أستطيع التركيز بعد كل هذه المشكلات الفنية هنا.
الحقيقة، أتينا حاملين انطباعاً مدهشاً وشيئاً من الخبرة من هذه الرحلة. إنه لمؤسف بالفعل ألا تتاح الفرصة لكلّ كوبي لكي يعيش عشرة أيام كالتي عشناها نحن! بل وسنذهب أبعد من ذلك بقليل لنؤكد بأن الأمر يستحق لو تمكّن هؤلاء البؤساء الذين طلبوا اللجوء من التواجد أولاً عشرة أيام في نيويورك، لكي يعيشوا تجربة كالتي عشناها نحن.
المسألة أنه من الصعب تكوين فكرة. نحن عشنا من أجل وطننا ومن أجل الإنجاز الذي تحققه الثورة ذات المشاعر التي تعيشونها أنتم، نفس السعادة، ونفس الآمال. غير أنه هنا، في خضم الأحداث التي تجري، لا أنتم ولا نحن قادرون على التنبّه إلى كل ما يعنيه ذلك، ليس فقط على الصعيد الدولي، فأنا لا أظن ذلك، وإنما ما يمثّله هذا الوطن الجديد الذي نعكف على بنائه بالنسبة لكل واحد منّا (تصفيق).
لن أحاول أن أشرح ذلك، لأنني أعرف بأنه أمر مستحيل، ولكن، في تعبير عمّا نشعر به جميعاً، نحن الذين عشنا عشرة أيام في أحشاء الإمبراطوريّة، نعترف بأننا أخذنا فكرة واضحة وكاملة عمّا يعنيه امتلاك وطن (تصفيق). وخاصّة الآن عندما لم نعد مستعمرة (تصفيق)؛ الآن، وقد أصبحنا شعباً سيّداً وحرّاً.
عدنا بانطباع وذكرى لا يمكننا أن ننساهما أبداً: انطباع وذكرى الكوبيين الذين يعيشون في نيويورك (تصفيق).
الحقيقة، ربّما نحن لم نمعن التفكير على وجهٍ كافٍ في وضع هذا الجزء من مواطنينا، الذين اضطروا للرحيل عن الوطن لأنه هنا، في هذه التي كانت مستعمرة للإمبرياليّة اليانكيّة (صرخات: "برّا!)، لم تكن لديهم وسيلة يكسبون بها لقمة العيش واضطروا للقيام بهذا الفعل، المحزن جداً دائماً، وهو الهجرة من وطنهم، من أجل الذهاب إلى بلد بارد ومعادي لكسب لقمة العيش.
وكم هو محزن أن يكون جزءاً من شعبنا قد اضطر أن يُقتلع من أرض الوطن! ولكن، كم هو مؤسف على وجه الخصوص أن يضطر هذا الجزء من شعبنا للعيش في الخارج! ويا له من مصير قاسي لهؤلاء الكوبيين! وكم تبلغ من حجم فضيلة هؤلاء الكوبيين! (تصفيق).
أبطال الثورة، الأبطال الحقيقيّون للثورة هم في هذه اللحظة الكوبيون الذين هناك في الشمال المضطرب والهمجي، كما وصفه مارتيه (تصفيق)، الذي لم يعد يحتقرنا، كما أكد بطل الاستقلال نفسه، وإنما هو يحترمنا (تصفيق)؛ أولئك الكوبيون الذين يحافظون هناك على وفائهم لوطنهم؛ أولئك الكوبيون الذين يحافظون هناك على ثباتهم (تصفيق)؛ أولئك الكوبيون الذين يصرخون هناك: "نعم للقلقاس الحلو، لا للعلكة! (تصفيق).
ولماذا نشعر بعميق الألم عندما نفكّر بمصير هؤلاء الكوبيين؟ لأنهم يعيشون اليوم هناك، في نيويورك، ما عشناه نحن حتى الأول من كانون الثاني/يناير 1959! (تصفيق). عشرات وعشرات من الكوبيين، رجالاً ونساءً، تعرضوا لضرب همجيّ على يد عناصر شرطة نيويورك (صيحات توبيخيّة) خلال الأيام التي تواجدنا فيها هناك. يكفي القول أن الهراوة، أو الخابور"، كما يسمّون تلك العصا التي كانت تستخدمها الشرطة من قبل والتي تم إلغاؤها في بلدنا منذ زمن طويل، هي وسيلة ذعر في ذلك البلد "السوبر حرّ" (صرخات توبيخيّة)، البلد "السوبر ديمقراطي" (صرخات توبيخيّة)، البلد "السوبر إنساني" (صرخات توبيخيّة)، البلد "السوبر حضاري" (صرخات توبيخيّة).
التفتيش البوليسي، الملاحقة، الاستفزاز، الطرد من العمل، هي الأساليب التي يستخدمونها من أجل مضايقة أبناء وطننا. لو كان الأمر يتعلّق بقاتل، لو كان الأمر يتعلّق بعنصر شرطة يوجد برقبته مائة جثة، لو كان الأمر يتعلّق بأي من أولئك الأشرار الذين قتلوا مئات من الفلاحين، فإن هؤلاء لا يواجهون أي مشكلة هناك، فهؤلاء ينتمون لعائلة "عالمهم الحرّ" الكبرى! (صرخات توبيخيّة). ولكن ما دام الأمر يتعلَّق بكوبيين شرفاء، كوبيين أوفياء لوطنهم، كوبيين يشعرون تجاه وطنهم، فإن أسوأ انواع الملاحقة تنتظرهم.
ومن المؤسف جداً التفكير أن هناك كوبيين ممن جرفهم البؤس الذي كان سائداً في بلدنا، والبطالة التي كانت سائدة في بلدنا، إلى تلك الأرض الغريبة، وهم مضطرون للعيش في قلب الإمبراطوريّة اليوم عمليّاً كما عاش أوائل المسيحيين في روما القديمة. وبالرغم من كل شيء، ليس من حماس يفوق حماس أولئك الكوبيين؛ وليس من حمية تفوق حمية أولئك الكوبيين، وشعورهم بالحب تجاه وطنهم لا تتفوق عليه على الإطلاق أكبر الأدلّة على الحماس الذي اعتدنا على مشاهدته هنا في عقر بلدنا (تصفيق).
يا له من حب تجاه بلدهم! يا له من حلم يراودهم بالتمكن من العودة يوماً ما! لا بد للمرء أن يرى تلك المشاهد ليدرك ما نملكه نحن هنا، لندرك ما يبلغه حجم الخسارة عندما يخسر المرء وطنه، لأنه يبدو لك وكأن حلم أولئك الكوبيين بالعودة يوماً ما للعيش في وطنهم لا يفارقهم دقيقة واحدة، العودة يوماً ما للشعور بدفء أرضهم (تصفيق). ونحن قدّمنا ما يشبه العهد بأن على أولئك الكوبيين أن يعودوا يوماً ما (تصفيق)، لا بدّ أن يعودوا يوماً ما للعمل هنا في بلدهم والعيش هنا في بلدهم.
لذلك، علينا أن نبذل جهداً؛ وبالتالي، علينا أن نكافح لذلك، يستحق الأمر أن نبذل كلّ الجهد وأن نضحي بما يلزم. يستحق الأمر، لأن أبناء وطننا أولئك يستحقونه! (تصفيق) علينا أن نؤسس ما يشبه حيّ جديد، أو بلدة جديدة، يعيش فيه الكوبيون الذين يعودون من المهجر (تصفيق)؛ بلدة العائدين إلى وطنهم لكي يكون لهم بيوتهم أيضاً ونستطيع نحن أن نعوّض بهذه الطريقة حبّ الأرض، والبطولة، والصلابة والثبات التي يقومون بإظهارها هناك، حيث كل شيء عداء، كل شيء ملاحقَة، وكل شيء زيف، حملة معادية لكوبا، أكاذيب، ومع ذلك، فهم، وعلى غرار زنوج هارليم، باقون على صمودهم (تصفيق).
لا بدّ من إجهاد القدرة على التصوُّر من أجل أخذ مجرّد فكرة عن الحملة التي تم القيام بها بشكل منتظَم، بلا توقُّف، ضد كوبا في جميع المجلات، في جميع الصحف، في جميع المحطات الإذاعيّة والتلفزيونيّة وعبر كل الوسائل الإعلامية المتوفرة، ومع ذلك، فإن الكوبيين والدومينيكانيّين والبورتوريكيّين، واللاتينيّين عامة، وزنوج هارليم، ما يزالون صامدين (تصفيق). هي الجماعات موضع أشد أنواع الاستغلال والاضطهاد على يد الإمبريالية في عقر دارها وتشكل ظاهرة تبلغ من خروجها عن المألوف درجة أنها تبعث على الدهشة الشديدة، والمشهد الذي لا يُنسى هو أنه منذ أن كان وفدنا يبدأ في أي ساعة من النهار أو الليل بالتنقّل في حي هارليم، ومنذ اللحظة التي يظهر فيها أول رجل زنجي، كانت الأذرع ترتفع من أجل تحيّتنا (تصفيق). وفي أحشاء الإمبراطوريّة نفسها يوجد عشرين مليون زنجي مضطهد ومُستغَلّ، والذين لا يُمكن تحقيق آمالهم وأحلامهم بالعدالة (تصفيق). ونحن، في تعبير عن العرفان لحسن الاستقبال الذي وجدناه، وجهنا الدعوة لزيارة بلدنا إلى 300 ممثَّل عن زنوج الولايات المتحدة لكي يتعرّفوا عن قرب على إنجاز الثورة ولكي يروا عن كثب ما هو عليه بلد يوجد فيه عدالة (تصفيق).
لكن هناك أيضاً كثيرون من الأمريكيين، وخاصة من أصحاب الفكر الحرّ والكتاب البارزين والناس الشرفاء الذين تجرأوا على التعبير علناً هناك عن تعاطفهم مع الثورة الكوبية (تصفيق) من خلال "لجنة من أجل معاملة عادلة لكوبا" قاموا بتشكيلها وتشمل أشخاصاً من أكثرهم بروزاً وأرفعهم قيمة في الولايات المتحدة، وهناك في الولايات المتحدة أيضاً كثيرون من العمال الكادحين والمستغَلّين، وهناك أيضاً كثيرون من صغار الفلاّحين الذي شُوِّهت صورتهم من قبل احتكارات ومُرابي هذا البلد، وهي احتكارات مُرابين (تصفيق).
لا بدّ من العيش عشرة أيام في أحشاء الوحش الإمبريالي لكي يعرف المرء بأن الاحتكار والإعلام هما كل واحد، وبما أننا أعداء الاحتكارات، وبما أننا اصطدمنا بكل الاحتكارات الأشد جبروتاً في الإمبراطورية، جميعها، باستثناءات قليلة جدّاً ومحترمة، فإن وسائل الإعلام تحاربنا، لكن لا تحضرها أسباب محقَّة لمحاربتنا، لأن الأسباب المحقّة هي تفتقدها؛ تحاربنا بالأكاذيب، بكل نوع من الأكاذيب، بكل نوع من الاختراعات، تذكّرنا بأيّام كنّا ساذجين، عندما كنّا نصدّق هنا قصص الأطفال التي كانت ترويها علينا وكالات الإنباء الإمبرياليَّة، مجلاّت الاحتكارات، صحف الاحتكارات، أفلام كرتون الاحتكارات، أفلام سينما الاحتكارات، شعارات الاحتكارات، خِداع الاحتكارات، حكايات الاحتكارات، أعمال نصب الاحتكارات، أعمال نهب الاحتكارات، أعمال سرقة الاحتكارات، جرائم الاحتكارات، رذائل الاحتكارات، دنَس الاحتكارات، مذلاّت الاحتكارات (تصفيق وصيحات: "فيدل، بكل ثقة، اضرب اليانكيين بقسوة!" وشعارات أخرى تطالب باستعادة أراضي قاعدة غوانتانامو البحرية، و"فيدل، ماذا لدى فيدل، ما يجعل الأمريكيين عاجزين أمامه!")، لأننا كنّا نبلغ درجة من السذاجة أنهم جعلونا نصدّق بأن النصب كان فضيلة، وأن السرقة كانت عملاً نبيلاً، وأن الاستغلال كان عادلاً، وأن الكذب كان الحقيقة، والحقيقة كانت أكذوبة (تصفيق).
وكل هذه الدعاية الكاذبة هي الدعاية التي كانت تهطل بلا توقف على الشعب الأمريكي؛ كما كانت تهطل علينا من قبل، فيحاولون خداعه وتضليله باستمرار.
صحف مستقلّة، صحف تقول الحقيقة، لا!، لا يُمكن وجودها هناك؛ الصحيفة التي تقول الحقيقة تخسر الدعايات التجارية فيها؛ الصحيفة التي تقول الحقيقة تهشّمها وكالات الإعلام الخاضعة كليّاً لسيطرة الاحتكارات، وهذا هو النظام السائد هناك. لا تقرأ أبداً نقداً سليم النية؛ لا تقرأ أبداً قراءة تحليلية صحيحة. وراء كل شيء الدافع للربح، المصلحة الماديَّة، المال، ما سيدفعونه لهم مقابل كل بوصة ببوصة من الدعاية، ولهذا فإن للنتيجة ما يفسّرها. وإحدى هذه النتائج هي حالة الهستيريا التي خلقوها عند جزء من الشعب، وهي هستيريا لا يُفهم كيف أنها عاشت في ظل هذا النوع من الحقد المزبد الذي يسكن نفوس بعض الناس في ذلك البلد؛ وكم هي مختلفة، كم هي مختلفة عندما يكون الشعب حسن الاطّلاع، عندما يكون الشعب مدركاً للحقيقة، عندما يكافح الشعب من أجل شيء ومدفوعاً بشيء، عندما يكون لحياة الشعوب معنى، عندما يكون لدى شعبٍ فكراً، عندما يكون لدى الشعب شيئاً يكافح من أجله! كم مختلفة تكون النتيجة!
نحن لدينا الثقة الكاملة أنه بالرغم من كل المظالم التي عانيناها، بالرغم من كل الاعتداءات التي تحمّلها بلدنا، لو كان مقر الأمم المتحدة، على سبيل المثال، قائماً هنا، ليس من شأن أي مواطن أن يشتم زائراً واحداً، وليس من عمل عدائي واحد أن يُرتكب بحق أي وفد، لأنه في تلك اللحظة ندرك نحن الكوبيون بأنها لحظة الإثبات بأننا أكثر تهذيباً من الإمبرياليين بألف مرّة! (تصفيق)؛ بأننا أكثر مروءة من الإمبرياليين بألف مرّة! (تصفيق)؛ بأننا أحسن ضيافة من الإمبرياليين بألف مرّة! (تصفيق)؛ وبأننا أكثر نزاهة من الإمبرياليين بمليون مرّة! (تصفيق). لأنه عندما تكون هناك نزاهة، هذا ما يتم إظهاره: نزاهة (تصفيق). عندما يكون هناك تهذيب، هذا ما يتم إظهاره: تهذيب (تصفيق)؛ وعندما تكون هناك حشمة، هذا ما يتم إظهاره: حشمة (تصفيق). ولكن، عندما لا يكون عندك شيئاً آخر غير الرذالة وقلّة التهذيب، فإن ما يتم إظهاره هو هذا: رذالة وقلّة تهذيب! (تصفيق).
نحن شاهدنا حشمة، نحن شاهدنا نزاهة، نحن شاهدنا حسن ضيافة، نحن شاهدنا مروءة، نحن شاهدنا تهذيباً عند زنوج هارليم الكادحين (تصفيق). (يُسمح صوت انفجار). قنبلة؟ دعك...! (صيحات: "حبل المشنقة! حبل مشنقة! سننتصر!، سننتصر!) (الحضور ينشد النشيد الوطني ويصيح: "عاشت كوبا!، عاشت الثورة!"). هذا الأصبع المتفجر الجميع يعرف من دفع ثمنه، إنها أصابع الإمبريالية المتفجرة (توبيخ). يظنّون... طبعاً، يوم غد يذهبون للقبض من سيّدهم، وسيقولون له: "دقِّق جيداً، في ذات اللحظة التي كانوا يتكلّمون فيها عن الإمبرياليّة دوى اللُّغم" (صيحات: حبل المشنقة! حبل المشنقة!).
هل أمسكوا به؟ لا اخبار؟ لا أخبار مؤكّدة. لكن، يا لهم من ساذجين! ما دام عندما كانوا يلقون قنابل وزنها 500 رطل وحتى ألف رطل كُتب عليها "صُنع في الولايات المتحدة" (توبيخ)، لم يتمكنوا من فعل شيء، ولا عندما كانوا يلقون قنابل نابالم وزنها مئات الأرطال، تمكنّوا من فعل شيء أيضاً؛ وبالرغم من طائراتهم ومدفعيّاتهم وقنابلهم، اضطرت القبعات للاستسلام (تصفيق)، ولم يتمكنوا من الاستيلاء على سلسلة جبال سييرّا مايسترا، ولا تمكنوا من الخروج من الطوق، كيف لهم أن يتقدّموا الآن ببعض الأصابع المتفجرة؟ (صرخات: ") إنها رهانات العجز والجُبن. كيف لهم أن يأتوا لاستفزاز مشاعر الشعب بالأصابع المتفجرة، ما دام الشعب منخرط في مشروع مقاومة، وليس مجرّد أصابع متفجرة (صيحات: "سننتصر!، سننتصر!")، فالشعب منخرط في مشروع مقاومة ما يلقونه وما يسقط، حتى لو كانت قنابل ذريَّة، أيها السادة! (تصفيق).
يا لهم من سذّج! ما دمنا مقابل كل إصبع متفجّر يدفع الإمبرياليّون مقابله نقوم نحن ببناء خمسمائة منزل! (تصفيق). مقابل كل أصبع متفجّر يمكنهم أن يلقوه في كل سنة، نحن نضاعف أعداد التعاونيّات ثلاث مرّات! (تصفيق). مقابل كل إصبع متفجّر يدفع الإمبرياليّون مقابله، نؤمّم نحن مصنعاً يانكيّاً للسكّر! (تصفيق). مقابل كل إصبع متفجّر يدفع الإمبرياليّون مقابله، نقوم نحن بتصفية مئات الآلاف من براميل النّفط! (تصفيق). مقابل كل إصبع متفجّر يدفع الإمبرياليّون مقابله، نقوم نحن ببناء مصنع لتأمين فرص العمل في بلدنا! (تصفيق). مقابل كل إصبع متفجّر يدفع الإمبرياليّون مقابله، نقوم نحن ببناء مائة مدرسة في أريافنا! (تصفيق). مقابل كل إصبع متفجّر يدفع الإمبرياليّون مقابله، نحوّل نحن ثُكنة عسكريّة إلى مدرسة! (تصفيق). مقابل كل إصبع متفجّر يدفع الإمبرياليّون مقابله، نصنع نحن قانوناً ثوريّاً! (تصفيق). مقابل كل إصبع متفجّر يدفع الإمبرياليّون مقابله، نسلّح ما لا يقل عن ألف عنصر ميليشيا! (تصفيق وصيحات تدعو للانسحاب من أراضي قاعدة غوانتانامو البحرية).
الرفيق أوسماني طرح علينا فكرة جيدة، يقول ما الذي يمنعنا من تكريم الإصبع المتفجّر بفصيلة سانتا كلارا ونحوّلها خلال شهر واحد إلى مدينة مدرسيّة جديدة، ما تبقّى من تلك الفصيلة هناك (تصفيق).
سوف نطلب أيضاً من الرفيق جانوسا بأن يكرّم الإصبع المتفجّر هذا بنادٍ اجتماعيً عماليّ جديد (تصفيق وصيحات تدعو للانسحاب من أراضي قاعدة غوانتانامو البحرية).
يبدو أن هؤلاء السذّج قد صدّقوا فعلاً ما قيل عن مجيء "المارينز" (توبيخ)، وأن القهوة جاهزة لتقديمها لهم. سوف نقيم نظام مراقبة جماعيَّة، سوف نقيم نظام مراقبة ثوريّة جماعيَّة (تصفيق). وسوف نرى كيف يُمكن لأذناب الإمبريالية أن يتحركوا هنا؛ فنحن، في نهاية المطاف، نعيش في كل أنحاء المدينة، ليس هناك من مبنى شقق سكنية في المدينة، ليس هناك من مربّع سكنيّ، ليس هناك من حيّ، إلا وله تمثيل واسع هنا (تصفيق). في وجه حملات الاعتداءات الإمبريالية، سوف نقيم نظام مراقبة جماعيَّة ثوريّة، يسمح للجميع بـأن يعرف من يعيش في كلّ مربَّع، وماذا يفعل الذي يعيش في هذا المربّع وأي علاقات كان يقيمها مع الدكتاتوريّة؛ مع مَن يحتكّ؛ وما هي النشاطات التي يقوم بها. فإن هم كانوا يظنّون بأنهم يستطيعون أن يواجهوا الشعب، سيحصدون شرّ خيبة! لأننا نقيم لهم لجنة مراقبة ثوريّة في كل مربَّع سكني... (تصفيق)، لكي يقوم الشعب بالمراقبة، لكي يقوم الشعب بالمتابعة، ولكي يروا بأنه عندما يتنظم الحشد الشعبي، ليس من إمبريالي، أو ذنب للإمبرياليين، ولا بائع لنفسه للإمبرياليين، ولا أداة للإمبرياليين قادرة على التحرك (تصفيق).
إنهم يلعبون مع الشعب ولا يعلمون بعد مَن هو الشَّعب؛ إنهم يلعبون مع الشعب ولا يعرفون بعد القوّة الثورية الهائلة الموجودة عند الشَّعب. في هذه اللحظة، يجب القيام بخطوات جديدة في تنظيم الميليشيات؛ يجب التوجُّه فوراً نحو تشكيل كتائب الميليشيات، منطقة منطقة، في جميع أقاليم البلاد، والأخذ باختيار كل رجل لكل قطعة سلاح (تصفيق)، والأخذ ببلورة تركيبة كل الحشد الواسع من عناصر الميليشيا، لكي تكون وحدات مقاتلينا مشكَّلة ومدرَّبة بأسرع وقت ممكن (تصفيق).
هناك أمر هو بالغ الوضوح... (أحد من الحضور يتكلّم مع الدكتور كاسترو). لا حاجة للشدّة قبل أن يحين الوقت؛ لا حاجة للعجلة في ذلك، لا حاجة للعجلة، لا حاجة للعجلة، لا حاجة للعجلة! دعهم يتعجّلون هم؛ أما نحن، فالمحافظة على ضبط النفس وعلى خطانا، وهي خطى ثابتة وواثقة (تصفيق).
أحد الانطباعات التي أتينا بها في هذه الرحلة، وهو هامّ، هو مدى الحقد الذي تكنّه الإمبرياليّة لشعبنا الثوريّ؛ الدرجة التي بلغتها الهستيريا عند الإمبريالية ضد الثورة الكوبية؛ الدرجة التي بلغها الانهيار المعنوي عند الإمبريالية إزاء الثورة الكوبية. وها قد شاهدتم: أمام اتهامات كوبا، ما زالوا يفكّرون بالأمر لكي يردّوا، لأنه في الحقيقة ليس عندهم شيئاً يردّوا به.
مع ذلك، فإنه من الهام أن نكون جميعنا مدركين للصراع الذي تخوضه ثورتنا؛ من الضّروري أن نعرف كلّنا تماماً بأنه صراع طويل، طويل وقاسٍ (صيحات: "سننتصر!، سننتصر!"). من المهمّ أن نتنبّه إلى أن ثورتنا تواجه أعتى إمبراطوريّة في العالم. بين كل البلدان الاستعماريّة والإمبرياليّة، الإمبرياليّة اليانكيّة هي الأكثر جبروتاً، بالموارد الاقتصاديّة وبالنفوذ الدبلوماسي وبالموارد العسكريّة. بالإضافة لذلك، هي إمبريالية ليست كالإمبريالية الإنكليزية الأكثر نضوجاً، والأوسع خبرة؛ إنها إمبرياليّة متغطرسة، يعمي الجبروت بصرها. إنها إمبريالية بربريّة، وكثيرون من قادتها برابرة، هم رجال برابرة، لا تقل بربريّتهم بشيء عن بربريّة سكان الكُهوف في العصور الأولى من حياة البشرية. كثيرون من قادتهم، كثيرون من زعمائهم هم رجال ذوو ناب طويل. إنها، بدون أي نوع من الشك، الإمبرياليّة الأكثر عدوانيّة، الأكثر ميلاً للحروب، والأشد رعونة.
ونحن هنا على الخط الأول: بلد صغير، ذو موارد اقتصاديّة ضئيلة، يخوض وجهاً لوجه كفاحاً أبيّاً، عازماً، وثابتاً وبطوليّاً، من أجل سيادته، من أجل مستقبله (تصفيق).
يجب أن نكون واعين جداً بأن بلدنا يواجه الإمبراطوريّة الأشد وحشيّة في الزمن المعاصر؛ وبالإضافة لذلك، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الإمبرياليّة لن تكلّ في جهودها لمحاولة تدمير الثورة، ومحاولة وضع عراقيل في طريقنا من أجل منع تقدّم ونموّ وطننا. يجب أن يكون حاضراً في الأذهان دائماً بأن هذه الإمبرياليّة تضمر من الحقد علينا ما عليه حقد الأسياد على العبيد الذين يتمرّدون. ونحن بالنسبة لهم كعبيد تمرّدنا، وتمرّدنا تماماً! (تصفيق). وليس هناك حقد أكثر همجيّة من حقد السيّد على عبد متمرُّد؛ وتضاف إلى ذلك الظروف التي تجعلهم يرون بأن مصالحهم في خطر؛ ليس مصالحهم هنا، وإنما مصالحهم في العالم بأسره.
نحن رفعنا قضيتنا إلى الأمم المتحدة، لكن قضيّتنا هي نفس قضية بقية البلدان النامية، هي قضية أمريكا اللاتينية كلّها، هي قضية كل البلدان الأفريقية، هي قضية كل بلدان الشرق الأوسط، هي قضية بلدان آسيا وأوقيانوسيا؛ قضيتنا هي قضية يمكن تطبيقها بالتساوي على بقية العالم. بقية العالم النامي تتعرّض أيضاً للاستغلال اليوم على يد الاحتكارات، وقد قلنا نحن هناك، لكل الشعوب النامية: "لا بد من تأميم استثمارات الشركات الاحتكارية، بدون أي تعويض" (تصفيق). لقد قلنا لباقي الشعوب النامية: "افعلوا ما فعلناه، لا تُواصلوا كونكم ضحايا الاستغلال، افعلوا ما فعلناه نحن!". من المنطقي أن تسعى الإمبرياليّة لتدمير ثورتنا، لكي تتمكن من أن تقول لباقي الشعوب: "إذا ما فعلتم ما فعله الكوبيون، نفعل معكم ما فعلنا مع الكوبيين".
وعليه، فإنه يجري في صراعنا هذا بحث همّ ليس بهمّنا نحن حصراً، وإنما هو همّ كوني. يجري هنا خوض صراعٍ ليس من أجل تحرر شعبنا فقط، وإنما هو صراع له علاقة بكل باقي الشعب المستغَلَّة بالعالم. وهذا أمر لا بدّ لنا من معرفته؛ أن ندرك تماماً ما نقوم نحن بفعله، أن ندرك تماماً بأننا نلحق ضرراً، وأن هذه المصالح لن ترضى بالهزيمة بسهولة، أن هذه المصالح لن ترفع الراية البيضاء بسهولة.
إنها معركة طويلة جداً، طويلة بقدر ما هيّ جبّارة المصالح التي أضرّت بها الثورة. وليس علينا أن ندافع عن أنفسنا فقط في وجه الاعتداءات، ليس هذا فقط، لأنه بهذا الأمر وحده لا نفعل نحن شيئاً، وإنما علينا أن نتقدّم، علينا أن نتقدّم، علينا أن نحرز قفزات في جميع المجالات.
أوضح انطباع وفكرة عدنا بهما من هذه الرحلة هي أن من واجبنا أن نضاعف الجهد (تصفيق)، علينا أن ندرك حقيقة الدور الكبير الذي يقوم به وطننا في العالم والمهمة الكبيرة التي نقوم بتنفيذها.
فأهم من الكلمات التي يمكننا أن نتفوّه بها هنا هي الأفعال. لقد استطعنا أن نذكر هناك جزءاً مما فعلناه؛ نحن لم نقم هناك بسرد كامل، ولا شيء من هذا القبيل، لا، لكن المهم هي الأفعال. نحن من واجبنا أن نسير ببلدنا نحو التقدّم. وفي سبيل ذلك، من واجبنا أن نحذق في ما نفعل. كل واحد منكم، بلا استثناء، تقع على كاهله هنا مهمّة كبيرة، مهمة كالتي تقع على كاهلنا (تصفيق). نحن نتوجّه إلى هناك للتحدث باسم كل واحد منكم؛ نحن نستطيع أن نتكلّم هناك، لأننا نتمتع بجهودكم جميعاً؛ نحن نتمتّع بالخلقية التي تسمح لنا بالتحدث هناك، لأننا نتمتع بجهودكم جميعاً؛ نحن نتمتّع بالخلقية التي تسمح لنا بالتحدث هناك لأننا نحمل إلى هناك خلقيّة الجميع وكل واحد من الرجال والنساء من أبناء وطننا، ولهذا نحمل كل ما نحمل من خلقية إلى هناك! (تصفيق)، لأننا نحمل خلقية شعب، لهذا نستطيع الذهاب إلى هناك وإدانة الإمبرياليّة. ولهذا يحظى بلدنا بكل ما يحظى به من تقدير، ليس بفعل الكلام، وإنما بفعل الأفعال؛ ليس بفعل ما يقوله كوبي هناك، وإنما بفعل ما يفعله ويمكن أن يفعله كل الكوبيين (تصفيق).
العالم آخذ بتكوين فكرة عنّا، فكرة أفضل من التي كانت عنده من قبل، هذا إذا كانت عند العالم فكرة من قبل عن أننا موجودين. وما يقف وراء هذا الرأي هي أفعال هذا الشعب. نحن ندعو الجميع وكل واحد منكم لأخذ فكرة عن المسؤوليّة الكبرى التي تقع على كاهله، وعلى الأخص التفكير بأننا نحن لسنا نحن بصورة فرديّة، وإنما نحن ننتمي لشعب، بأننا ننتمي إلى لحظة كبرى في تاريخ البشريّة، بأننا ننتمي لساعة حاسمة بالنسبة للجنس البشري؛ وأنه هنا يجب التفكير بالشعب، يجب التفكير بمستقبل الأمة، وليس التفكير بأنفسنا. نحن شيءً أكبر من أنفسنا، نحن شعب، نحن أمّة! (تصفيق)؛ نحن فكرة؛ نحن أمل؛ نحن قدوة. وعندما أطلّ رئيس وزراء الحكومة الثورية في منظمة الأمم المتحدة (تصفيق)، لم يطلّ رجل، إنما أطل شعب! (تصفيق). هناك كان كل واحد منكم، كل واحد منكم كان على المنبرّ (تصفيق).
وبهذه القوّة التي يعطينا إياها التمتع بإرادة ودعم وجهد كل واحد منكم، توجّهنا إلى هناك. نحن نشعر بالالتزام تجاه الشعب! نحن نشعر بأنه تقع علينا مسؤولية كبرى تجاه هذا الشعب!، وهذا هو شعور كل واحد منّا تجاه الآخرين كلّهم؛ وهذا ما يجب أن يشعر به كل واحد منكم! (تصفيق)، وحمل هذه الفكرة في الذهن... (يُسمَع صوت انفجار ثانٍ، وصيحات "حبل المشنقة! حبل المشنقة! سننتصر! سننتصر!" الحضور ينشدون نشيد حركة "السادس والعشرين من تموز/يوليو" ثم النشيد الوطني) دعوها، دعوها تدوّي، فبهذا هم يدرّبون الشعب على كل نوع من الضجيج! (تصفيق وصيحات: "وحدة!، سننتصر!") بالنظر إلى ما أرى، بالنظر إلى ما أرى، ستكون هذه الليلة مُكلفة للأسياد! (تصفيق).
هذه الأفعال تأتي لتؤكد ببساطة ما أخذنا بقوله، وهو أن معركة طويلة وقاسية تنتظر هذه الثورة. ولهذا طالما شدّدنا على أن يأخذ كل واحد بعين الاعتبار دوره ومسؤوليته.
لو كان هذا الأمر سهلاً، الحقيقة أن الأمر ما كان ليستحق أن يكون لنا حضور. الأمور السّهلة ليست هي التي تعطي على المدى الطويل أفضل الثمار؛ الأمور التي تستحق الأمر، لكي يكون لحياة الشعوب، لحياة الرجال والنساء معنى، هي الأشياء الصعبة، لأن هذه هي الأشياء التي يستحق الأمر القيام بها (تصفيق).
وبالنسبة لنا، إدراك جبروت الإمبراطورية الماثلة أمامنا لا يحبط عزيمتنا؛ على العكس من ذلك، إنه يبعث الحيويّة عندنا (تصفيق). من يتعيّن أن يشعر بعزيمة محبطة هي الإمبراطوريّة، جرّاء المعركة التي يخوضها شعب صغير (تصفيق).
لا يظنّن أحد، لا يظنّن أحد على الإطلاق بأن السنوات المقبلة ستكون سنوات هدوء وراحة. أكبر همّ في السنوات المقبلة هو العمل الذي ينتظر منّا القيام به، والمعركة التي تنتظر منّا خوضها! (تصفيق). وهذا هو همّنا ما فوق العادي بالنسبة للمستقبل؛ وهذا هو ما يخلّصنا من أحزان ووصمات عار الماضي؛ وهذا هو ما يُسعد شعبنا، لا سيّما الإدراك بأنه في الأول من كانون الثاني/يناير لم تنته الثورة، وإنما هي بدأت حينه (تصفيق)؛ هذا هو ما يُسعد شعبنا: التفكير بأنه إذا ما جاءت المرحلة الأولى ثمرة جهد جزء من الشعب، فإن المستقبل، نصر الغد، سيأتي ثمرة جهد كل أبناء الشّعب! (تصفيق)؛ من دون أن يضطر أحد في الغد أن يشعر بالخجل، ولا حتى أمام أبنائه، ولا أمام زوجته، ولا أمام رفاقه، لأن المستقبل مليء بالأماكن؛ يوجد في المستقبل مكان لكل واحد منّا (تصفيق)؛ يوجد في المستقبل مكان لكل واحد منّا (تصفيق).
ونحن، نحن أنفسنا، لدينا إحساس بأننا في بداية الطريق، بأننا لم نفعل شيئاً بعد غير شق الطريق، بأننا نسطر الصفحات الأولى من مجلّد التاريخ الذي يكتبه شعب كوبا اليوم (تصفيق).
وهذا النصر سنحقّقه بأمرين، أمرين: الذكاء والشجاعة؛ بالعقل والقلب. ألا نسمح أبداً لا للشجاعة بأن تجرّنا إلى ما فوق الذكاء، ولا للذكاء أيضاً أن يسبق الشجاعة. على الذكاء والشجاعة أن يسيران جنباً إلى جنب في الطريق المؤدي إلى النصر! (تصفيق).
وهكذا كانت عليه، حتى يومنا هذا، الشروط الأساسية للنجاحات المحرزة. عدم الاستخفاف بالعدو الإمبريالي؛ إنما يكون خطأ الاستخفاف بالعدو الإمبريالي. العدو الإمبريالي ارتكب خطأ الاستخفاف بنا نحن! (تصفيق)، وكان لدى شعبنا من القوة الثوريّة أكبر بكثير من التي تصوّروها هم في أي يوم من الأيام؛ ويوجد لدى أبناء شعبنا من الشروط المعنويّة أكبر من التي تصوّروها هم في أي يوم من الأيام (تصفيق).
لم نرتكب نحن خطأ الاستخفاف بالعدو الإمبريالي، وإنما الاعتراف له بقوته الفعليّة، التعامل معه بقوته الفعليّة، والقيام، من ناحيتنا، بما يلزم من أجل الخروج ظافرين من معركة تحرير الوطن هذه (تصفيق). ويهمّنا في الطريق الذي يؤدّي إلى النصر بالجهد، بالعمل، بالشجاعة، وبالذكاء؛ أن نعرف في كل لحظة ما الذي يخططون له وأن نجيد التفاعل في كل لحظة مع خططهم كما فعلنا الآن في هذه اللحظة، بكشف النقاب عن حالة الهستيريا التي يقومون بزرعها حول قاعدة غوانتانامو البحرية... (تصفيق) والحملة التي يقومون بها حول القاعدة والكلام الفارغ الذي ينشرونه عن هجمات نشنها على القاعدة، وقد أوضحنا لهم تماماً هناك وطلبنا من رئيس الجمعية أن يأخذ بعين الاعتبار القلق الذي ينتابنا جرّاء الحملات التي يشنونها في تمهيد للطريق وخلق حالة من الهستيريا توفر الظروف العامة الملائمة لإيجاد ذريعة هناك، من خلال عدوان مفتعل، أو أي ذريعة للاعتداء على بلدنا، ونحن لا نريدهم أن يغزوا بلدنا؛ نحن لا نريد أن نوفّر لهم الحجة لكي يغزوا بلدنا، فهذا هو ما يتمنّوه هم؛ أن ننجر نحن للحمية والاندفاع الوطني والحماس، ونفعل ما يريدوننا هم أن نفعل، ولكن من واجبنا أن نفعل ما نريد أن نفعله نحن، وما يلائمنا نحن وليس ما يريدون هم أو ما يلائمهم هم (تصفيق).
كان مارتيه يقول أنه لا ينبغي أبداً أن نفعل ما يريدنا العدو أن نفعل؛ ولهذا كنّا وما زلنا مستعدين لأن نشرح في كل مناسبة، وقد فعلنا هناك أيضاً وثبّتنا وجهة نظرنا القائلة بأننا سنطالب بالسيادة على تلك القطعة من القاعدة، من خلال القانون الدولي، أي عبر السبل القانونيّة (تصفيق) وليس عبر السلاح. الأسلحة التي بأيدينا لن نستخدمها لفعل ما يريده العدوّ، وإنما ما لا يريده العدوّ؛ يجب أن تكون أسلحتنا جاهزة دائماً لفعل ما لا يريدنا العدو أن نفعله: أي، جاهزة للدفاع عن أنفسنا، جاهزة للمقاومة (تصفيق)، جاهزة لتدميره عندما يهاجمنا (تصفيق)؛ فلهذا نحن نحملها، من أجل الدفاع عن أنفسنا. ولا بدّ للشعب الذي سمع ما قلناه في منظمة الأمم المتحدة أن يعرف بأن إحدى المشكلات الأشد حساسيّة وإحدى المشكلات التي علينا أن نتصرف بأكبر ذكاء في التعامل معها، إحدى المشكلات التي علينا أن نتغلّب على العدو الإمبريالي فيها، هي مشكلة "قاعدة كايمانيرا"، لأن هذه القاعدة هي التي سيحاولون أن يأخذوا منها ذريعة، ويجب أن يكون موقفنا واضحاً جداً للشعب وللعالم كلّه، بأنه عندما نتوجَّه للمطالبَة، سوف نفعل ذلك وفقاً لمعايير القانون الدولي، كحقّ لنا لا لبس فيه ولا يمكن نفيه وعليهم أن يعترفوا لنا به (تصفيق).
في وجه العدو الإمبريالي، العدو الإمبريالي الذي يلجأ للأسلحة الأشد غدراً ودناءة، العدو الإمبريالي الذي تميّز عبر التاريخ بالحجج التي يفبركها عندما يهمّه تحقيق الأهداف منها، العدو الإمبريالي الذي نعرفه جيداً، من الذكي إغلاق الطريق أمامه عندما يأتي بحثاً عن حجة، عندما يدور لإيجاد حجة، لأن هذه لن تنفعك، لأن هذه لن تكون مجدية، لأن هذا الهدف لن تتمكن من تحقيقه (تصفيق).
العدوّ الإمبريالي ماكر، دنيء، غادر؛ العدو الإمبريالي مستعد لأبعد ما يمكن أن يتصوره العقل، العدو الإمبريالي يلجأ إلى أي سلاح، بدءاً من اغتيال القادة وحتى شنّ غزوات عسكريّة، يبحث دائماً عن اليد القاتلة، يبحث دائماً عن قاطع الطرق، يبحث دائماً عن الحجة، ونحن يجب أن نكون ليس أذكياء فقط؛ علينا نحن أن نكسب الشوط مع العدو الإمبريالي، علينا أن نخرج ظافرين من المعركة مع العدو الإمبريالي (تصفيق)؛ وعلينا أن نكسب كل المعارك مع العدو الإمبريالي كما كسبنا المعركة في الأمم المتحدة (تصفيق). والعدو الإمبريالي مدحور هناك في منظمة الأمم المتحدة؛ فالجانحون للحرب، الجانحون للتسلّح، أعداء السّلام يتلقون هناك ضربة ساحقة أمام الرأي العام العالمي، ومعارك الرأي العام العالمي علينا أن نكسبها في وجهه؛ العدو الإمبريالي يجب تعريته أمام الرأي العام العالمي، والعدو الإمبريالي يجب دحره معنوياً أمام العالم، لا بد من إلحاق الهزيمة به في كل المجالات (تصفيق). وبما أننا اجتزنا حروف الأبجدية الأولى في المسائل الثورية والسياسية، وبما أننا اجتزنا الصف الأول، والصف الثاني، والصف الثالث، أصبحنا الآن في المرحلة الثانوية بالقضايا الثورية والسياسيّة (تصفيق)، علينا أن نشرع بالتوجّه وبالاستعداد عقليّاً وبأن نتربّى على هذه المسائل؛ في كل يوم نتعلّم شيئاً جديداً ومن المفيد ألا يتراجع اهتمامنا بالشأن الدولي.
نحن لم نكن نهتم إلى حد ما بالمشكلات الدولية، وكان هذا أمراً طبيعيّاً؛ فنحن لم نكن أكثر من "بؤرة استعمارية" يانكية، فما الذي كان سيدفعنا للاهتمام بالقضايا الدوليّة؛ نحن لم نكن نفعل شيئاً آخر غير ما يقوله هناك الوفد اليانكي؛ فنحن لم يكن لنا رأي أبداً، نحن لم نكن نقول شيئاً؛ نحن لم نكن نقول ولا حتى هذا الفاه هو فاهي، لا في منظمة الأمم المتحدة ولا في منظمة الدول الأمريكية، ولا في أي مكان من العالم؛ نحن كنّا كائنات صامتة ومطيعة. ولهذا لم يكن أحد هنا يهتم بالشؤون الدوليّة، وكنّا نقول "حسناً، هذا يعني اليانكيين، هذا شأنهم". كانوا يعلنون حرباً، وكنّا نأتي نحن وراءهم ونعلن حرباً أخرى؛ يصدرون بياناً، فنأتي نحن من وراءهم ونصدر بياناً آخر؛ ويتوجّهون إلى حرب أخرى، فنذهب نحن وراءهم إلى هذه الحرب: كان يصنعون السلام، فنأتي نحن وراءهم ونصنع السلام. ماذا كنّا عليه نحن؟ لهذا لم يكن أحد يهتم، ولكن الآن وقد أصبح لنا رأي في العالم، الآن وقد أصبحنا جزءاً من العالم، من المفيد أن نتنوّر حول كل الشؤون الدوليّة وأن نعرف ماذا يحدث في أمريكا اللاتينية، ماذا يحدث في أفريقيا، ماذا يحدث في آسيا، أي شعوب تعيش هناك، وما هي ثرواتها، ما هي تطلّعاتها، ما هي مشكلاتها، ما هو موقفها من حكوماتها، وأن نأخذ في مرحلتنا الثانويّة في السياسة والثورة بتعلّم الجغرافيا السياسيّة الدوليّة (تصفيق).
ولهذا من المفيد أن يتواصل طبع الكثير من الكتب وأن نواصل جميعنا الدراسة، لأننا جميعاً وكل واحد منكم من واجبه أن يعرف، جميعكم وكل واحد منكم من واجبه أن يعرف وأن يتنوّر، ومن لم تُتح له الفرصة من قبل، عليه إذن أن يستغل هذه الفرصة اليوم ليطّلعوا، ليعرفوا المشكلات، ليعرفوا ما يحدث في العالم، وبماذا يتعلّق الأمر، ليعرفوا المشكلات السياسية والاجتماعيّة والاقتصاديّة، لكوبا وخارج كوبا، وإلا فإننا لن نجتاز الثانوية، وعلينا أن نصل يوماً إلى مستوى الدكتوراه بالثورة والسياسة (تصفيق). هذا هو مبرّر وجود المطبعة الوطنية، وهذا هو مبرر وجود القرطاس الذي كانت تستهلكه هنا الصحف الرجعية والموالية للإمبريالية، لطباعة الكتب! وإذا كان أحد يحبّ أن يذهب إلى دار السينما بين الفينة والأخرى، ربما يرغب أيضاً في أن يقرأ كتاباً بين الفينة والأخرى؛ وأن نعرف في العمل، في النادي الاجتماعي العمّالي، أو في الحيّ أو في الكتيبة أو في فصيلة الميليشيا، في النقابة، أينما كنّا، أن نعرف ما علينا أن نعرفه، وألا يُكتب لنا الدور البائس في ألا نفقه شيئاً أمام آخرين ملمّين، أو أن نقوم بإبداء آراء من دون أن نعرف ما يتعلّق به الأمر أمام آخرين يعرفون ذلك. وما لا يتعلّمه الكوبي، لا يتعلّمه أحد، ويمكن للجميع أن يكونوا واثقين من ذلك! (تصفيق).
برأينا أن هذا هو أهم الاستنتاجات من انطباعات رحلتنا، فكرة الدور الذي تلعبه كوبا اليوم، فكرة المعركة التي تنتظرنا، ضرورة قيادتها بشجاعة وذكاء، وضرورة العمل بجدّ، ومضاعفة الجهود.
إنه لجميل جداً أن تذهب إلى هناك وأن تتمكن من القول لباقي الشعوب بأننا بنينا عشرة آلاف غرفة صف جديدة (تصفيق)، بأننا شيّدنا خمسة وعشرين ألف مسكن جديد! (تصفيق)، وهكذا فإنه سيكون على الدوام دافعاً للفخر أن نتمكن من القول للشعوب: "إننا نبني اليوم الكثير من الجامعات، الكثير من المدن المدرسية، وينشأ كثيرون من الفنيّين، ورفعنا إنتاجنا بشكل كبير، ورفعنا نسبة الإنتاج الوطني مقابل الفَرد، ورفعنا عدد مصانعنا، ورفعنا إنتاجنا الزراعي، ورفعنا المردود في عملنا، إننا نصنع وطناً عظيماً".
وسيكون موضع فخر لنا دائماً، وهذا يعتمد علينا، ما نفعله نحن هنا، ما نحرزه من تقدّم هنا، لأن هذا هو فخر لا قرين له، وراحة روحية لا قرين لها. لكننا لا نفعل ذلك للتباهي! نفعله لأننا ندرك أنه بذلك نحن نصنع خيراً كبيراً لشعوب أخرى كثيرة، أن من واجبنا الحرص على أن تكون ثورتنا إنجازاً متكاملاً وإنجازاً على أعلى درجة ممكنة من الكمال، لكي نستطيع بها الدفاع في وجه المشهِّرين، في وجه أعداء وطننا، لكي نستطيع أن نقول كما قُلنا هناك: "ليأتوا، فأبوابنا مفتوحة! ليأتوا لكي يروا كم من بلدة جديدة تنشأ، كم من تعاونيّة، كمّ من منزل، كمّ من مدرسة، كمّ من جامعة! (تصفيق).
ليأتوا! فسيكون لدينا على الدوام شيئاً نعرضه عليهم، سنعرض عليهم الميليشيات، سنعرض عليهم الفرق الشبابيّة الثوريّة! (تصفيق). سنعرض عليهم المهام الكبرى في التشجير، سنعرض عليهم المدن المدرسيّة التي نقوم اليوم بتشييدها! سنعرض عليهم ما عليه وطننا اليوم! لأن أولئك الذين يأتون إلى هنا ويرون الجهد الذي يبذله شعبنا في خضم مضايقة الإمبريالية له، يتفاجأون ويندهشون من تمكّن شعب صغير، وأمام كثير جداً من العقبات، من صنع ما يصنعه اليوم! وسيكون هذا دافعاً للفخر لنا دائماً، هذا هو مدعاة الفخر الذي يُحافظ، في ظل المضايقة والتشهير، على معنويات أبناء وطننا في نيويورك عالية! (تصفيق). هذا هو مدعاة الفخر الذي يستند إليه مبعوثونا في أي مكان من العالم وهذه هي الفكرة الرئيسية التي أردنا أن نعرضها هنا هذه الليلة. وشكراً على العبوتين المتفجرتين، لأنها نفعتنا كثيراً في يتعلق بما كنا نعكف على شرحه! (تصفيق). وشكراً لأنها نفعت في إثبات صلادة شعبنا، لإثبات ما يتمتع به شعبنا من صلادة، لإثبات ما لدى شعبنا من شجاعة (تصفيق مطوّل)؛ لأنه ولا حتى امرأة واحدة تحركت من مكانها! (تصفيق)؛ ولم يتحرك رجل واحد من مكانه، ولن يتحرك من مكانه أمام أي خطر، امام أي اعتداء! (تصفيق) كل واحد منّا هو جندي للوطن! (تصفيق) لا يهم، لا يهمّ أن يسقط أي منّا، المهم هو أن تظل هذه الراية مرفوعة إلى الأعلى، أن تواصل الفكرة طريقها!، أن يعيش الوطن!
(تصفيق حاد)
الطبعات الاختزاليّة