رسالة فيدل إلى الطلاب
أيها الطلبة الجامعيون وباقي المدعوّين الأعزاء،
يسعدني جداً حضور وزير التعليم العالي ورؤساء جامعات هافانا ووفد عن اتحاد الشبيبة الشيوعية، تتقدمه أمينته الأولى والإدارة الإقليمية والوطنية لاتحاد طلبة المرحلة المتوسطة لهذا الاجتماع.
أذكر تماماً ذلك اليوم، السابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2005. جرى فيه الاحتفال بالعيد العالمي للطالب. أنتم الجامعيون كنتم قد قررتم أن أتحدث أنا في ذلك اليوم. قلتم لي بأنه قد مرّ ستون سنة على التحاقي بالجامعة، في نهايات عام 1945. كنت آنذاك أكثر شباباً بقليل من اليوم؛ كنت في سنّكم. ولكننا تقاسمنا عيش مرحلة من العمر.
كنت أظنّ أن ذلك اللقاء الذي أقمناه في جامعة هافانا قبل خمس سنوات من اليوم لن يتكرر أبداً. كنت قد بلغت آنذاك التاسعة والسبعين من العمر. ولكن قبل شهرين بالكاد، ولكي أكون أكثر دقة، عندما قدّمت في قاعة الشرف الكتاب الثاني عن حربنا الثورية "الهجوم المضاد ألإستراتيجي"، في العاشر من أيلول/سبتمبر 2010، تحدثت في نهاية النشاط مع كثيرين من المناضلين المجرّبين في ذلك الكفاح، وعند مخرج القاعة حيّيت مجموعة من المسؤولين الطلابيين الجامعيين الذي كانوا بالانتظار هناك؛ تبادلت الحديث معهم، وعبّروا لي عن توقهم لحلول السابع عشر من أيلول/سبتمبر لكي أحدّثهم عن الخطاب.
راقت لي تلك المجموعة من الطلاب. لم تكن تروّج "لثورة ثقافية"، وإنما كانت ترغب بالاستماع مجدداً إلى تأمّل حول الأفكار التي تم عرضها في ذلك اليوم.
كان ذلك اللقاء قد أصبح ملكية لهم. بدا لي أن وقتاً طويلاً يفصل بين العاشر من أيلول/سبتمبر والسابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر؛ وكانت أشياء أخرى تمرّ في ذهني، وأجبتهم: "سنلتقي في ذلك اليوم".
غير أنني كنت أدرك بأن الآراء انقسمت بشأن ذلك الخطاب، نظراً للحظة التي كنّا نعيشها أمام عدوّ جبّار يزداد تهديده لنا يوماً بعد يوم، فيحاصر اقتصادنا بشدّة ويبذل جهوداً في سبيل خلق الاستياء، ويروّج لانتهاك القوانين وللمغادرة غير المشروعة للبلاد، ليحرمها من احتياط من قوة عمل شابّة، جيدة التأهّل ثقافياً وفنياً. كان يتم اقتياد كثيرين منهم في وقت لاحق لنشاطات غير مشروعة وللجريمة.
وكان هناك أيضاً واقع اتجاهي نحو النقد الذاتي والسخرية فيما يتعلّق بتحركاتنا نحن. ومع أنني كنت حاد اللهجة في كلامي، فقد دافعت عن مبادئ ولم أقدّم تنازلات.
كل هذا كنت أذكره، ولكن ليس كذلك بالنسبة للكلمة التي استخدمتها بدقة، ومجموع الحجج التي عرضتها، والاستفاضة الكبيرة في الخطاب.
طلبت من مجلس الدولة نسخة حرفية من ذلك الخطاب فوجدت نفسي أمام 115 صفحة بفراغ واحد بين الأسطر، ما يعني أكثر من 200 من هذه الصفحات التي بالكاد يتجاوز عددها الأربعين.
خلال الأسابيع الأخيرة كان كثيفاً العمل المخصص لمهام كثيرة؛ من بينها اجتماعات مقابلات مع الناشر الرئيس لموقع الويب "Global Research"، مايكل شوسودوفسكي؛ والانتصار الانتخابي الساحق لليمين المتطرف في الولايات المتحدة، ومن ضمنه المجموعة الفاشية "حزب الشاي"؛ والأزمة الاقتصادية التي لم يسبق لها مثيل؛ وحرب العملات، التي تابعتها قمة "مجموعة العشرين" عن كثب في سيئول، وكذلك قمة "أبيك" في يوكوهاما، اليابان، وبعد يومين من الآن قمة حلف الناتو في البرتغال يومي 19 و20 تشرين الثاني/نوفمبر، التي يجب متابعتها عن كثب.
رغم ذلك، لم أقبل بأمر تأجيل أو إلغاء موعد لقائنا.
استناداً منّي إلى النص الأصلي، أخذت باستخراج الأفكار الرئيسية من الخطاب الذي ألقيته تلك المرّة، لكي أعرضه عليكم بنفس الكلمات التي استخدمتها آنذاك، وذلك سعياً للاختصار، والعديد من الأمثلة التي تكمّل وجهات النظر المطروحة.
أعترف بأنه فاجأني سريان الأفكار المعروضة التي، وبعد خمس سنوات، هي أكثر سرياناً مذ ذاك، إذ أن الكثير من تلك الأفكار كان على صلة بالمستقبل، والوقائع سارت كما كانت متوقّعة، بفارق أنه مع المعارف المتوفّرة اليوم عن ظواهر مثل التغير المناخي والأزمة الاقتصادية التي تتجاوز بحدتها أي أزمة سابقة، ومخاطر اندلاع حرب وجنوح القوة الإمبريالية نحو الفاشية تستلزم من الشبان الجامعيين الحد الأقصى من التفاني والجهد في المعركة الأيديولوجية.
إحدى الأفكار الأولى التي عبّرت عنها في ذلك الحين:
"مجموعة العوامل التي مكّنت من وجود الحياة توفّرت بعد مضي آلاف الملايين من السنين في كوكب الأرض، وهي حياة واهية يمكنها أن تقوم بين درجات محدودة من الحرارة، بين بضع درجات دون الصفر وبضع درجات أخرى فوق الصفر.
[...] حاولت أن أتذكّر كيف كانت عليه تلك الجامعات، وكيف كنّا نقضي وقتنا وما هي الأمور التي كانت تهمّنا. كنّا مهتمين بهذه الجزيرة، هذه الجزيرة الصغيرة. لم يكن الحديث يجري بعد عن عولمة، لم يكن التلفزيون موجوداً، ولا كذلك الإنترنيت، ولم تكن موجودة الاتصالية الفورية بين نقطة وأخرى من نقاط كوكبنا، [...] على الأقل في زمني أنا، في 1945، بالكاد كانت طائراتنا التجارية تصل إلى ميامي...
[...] كانت قد انتهت للتو حرب مريعة، كلفت أرواح حوالي 50 مليون شخص، وأنا أتكلم الآن عن تلك اللحظة، من عام 1945، حين التحقت أنا بالجامعة، في الرابع من أيلول/سبتمبر؛ التحقت بها في تلك الفترة، وأنتم سمحتم لأنفسكم بالاحتفال بهذه الذكرى في أي يوم كان من تلك السنة".
ثم تساءلت لاحقاً: "أي عالم هو هذا؟ أي عالم هو هذا الذي تعلن فيه إمبراطورية همجية حقها بمهاجمة سبعين بلد أو أكثر على نحو مفاجئ ووقائي، مستخدمة أحدث أنواع الأسلحة وتقنيات القتل؟
[...] في هذه اللحظة ذاتها تهدد الإمبراطورية بمهاجمة إيران إذا ما أنتجت وَقود نووي.
[...] واليوم يجري التداول على الساحة الدولية حول اليوم والساعة التي سيحدث فيها ذلك، وما إذا كانت الإمبراطورية ستقوم بالقصف الوقائي والمفاجئ لمراكز البحث التي تسعى للحصول على تكنولوجيات إنتاج محروقات نووية أم أنها ستستخدم عميلتها إسرائيل لذلك.
[...] ذلك البلد يطالب بحقّه بإنتاج محروقات نووية كأي واحد من البلدان الصناعية، وبألا تكون مرغماً على تدمير الاحتياط من مادة أولية أخرى لا تنفع فقط كمصدر للطاقة، وإنما كمصدر للعديد من المنتجات، كمصدر للأسمدة، للنسيج، لعدد لا يحصى من المنتجات التي يجري استخدامها عالمياً اليوم.
[...] سنرى ما يمكنه أن يحدث إن خطر على بالهم أن يقصفوا إيران من أجل تدمير أي منشأة تسمح لها بإنتاج محروقات نووية.
[...] لم تحاول كوبا أبداً إنتاج أسلحة نووية. نحن نملك نوعاً آخر من الأسلحة النووية، إنها أفكارنا؛ [...] أسلحة بقوة الأسلحة النووية بفضل القوة التي لا تُقهر للأسلحة الأخلاقية، [...] ولم يخطر على بالنا السعي للحصول على أسلحة بيولوجية، [...] أسلحة لمحاربة الموت، لمحاربة الآيدز، لمحاربة الأمراض، لمحاربة السرطان، هذا ما نخصص له مواردنا...
[...] في أي بقعة من العالم أصبح يوجد سجن سري حيث يقوم المدافعون عن حقوق الإنسان بممارسة أعمال التعذيب؛ إنهم أنفسهم الذين يقومون في جنيف، كالماعز، بالتصويت أحدهم بعد الآخر ضد كوبا، البلد الذي لا يعرف التعذيب، ما يبعث الشرف والمجد لهذا الجيل، ما يبعث الشرف والمجد لهذه الثورة، ما يبعث الشرف والمجد لكفاح من أجل الاستقلال، من أجل العدالة، من أجل كرامة الإنسان التي يجب أن تظل طهارتها وكرامتها بعيدة عن أي شائبة!
[...] هذا الصباح وردت أنباء تتحدث عن استخدام الفوسفور الحي في الفلوجة، هناك حيث اكتشفت الإمبراطورية أن شعباً، أعزل من السلاح عملياً، لا يمكن قهره ووجد الغزاة أنفسهم في وضع لا يسمح لهم بالرحيل ولا بالبقاء: فإذا ما رحلوا يعود المقاتلون؛ وإذا ما بقوا، يحتاجون لهذه القوات في أماكن أخرى. لقد قتل حتى الآن أكثر من ألفي جندي شاب أمريكي، ويتساءل البعض، إلى متى سيواصلون الموت في حرب ظالمة؟
[...] لقد حوّلوا الانضواء في صفوف الجيش إلى مصدر لفرص العمل، فهم يتعاقدون مع عاطلين عن العمل، وقد حاولوا في كثير من الأحيان التعاقد مع أكبر عدد من الزنوج الأمريكيين لحروبهم الظالمة، وتصل أنباء مفادها أنه يقل يوماً بعد يوم عدد الزنوج الأمريكيين المستعدين للانضواء في صفوف الجيش، بالرغم من البطالة والتهميش اللذين يخضعون لهما.
[...] إنهم يجلبون لاتينيين، مهاجرين من الذين اجتازوا الحدود هرباً من الجوع، وهي الحدود التي يموت عليها أكثر من 500 مهاجر سنوياً؛ يموت خلال 12 شهراً عدد أكبر بكثير من عدد الذين ماتوا خلال السنوات الثماني وعشرين التي دامها قيام جدار برلين.
[...] كان الشبان يدخلون إلى هذه الجامعة التي، وبالمناسبة، كانت جامعة الكادحين؛ كانت جامعة الشرائح المتوسطة من المواطنين، كانت جامعة أغنياء البلاد، مع أن الفتية الشباب كانوا عادة فوق أفكار طبقتهم، وكان كثيرون منهم مستعدين للنضال، وهكذا ناضلوا على مدى تاريخ كوبا.
ثمانية طلاب تم إعدامهم عام 1871 وشكلوا بذوراً لأسمى وأنبل المشاعر وللروح الثائرة عند شعبنا.
[...] كان ميجا أحدهم، والمنحدر أيضاً من شريحة متوسطة؛ لأن أبناء أفقر الشرائح، أبناء الفلاحين، لم يكونوا يعرفوا القراءة والكتابة...
[...] ذكرت ميجا، ويمكنني أن أذكر غيتيراس، ويمكنني أن أذكر تريخو، الذي قضى [...]يوم ثلاثينٍ من أيلول/سبتمبر، في الكفاح ضد ماتشادو...
[...] حين عاد نظام باتيستا المستبد بكل صرامة، كافح كثيرون من الطلاب ومات منهم كثيرون، وذلك الشاب ابن كارديناس، مانزانيتا، كما كانوا يلقّبونه، الباسم دائماً، المرح دائماً، واللطيف دائماً مع باقي الآخرين، كان آخذاً بالبروز ببسالته وصموده، [...] وحين كان يواجه الشرطة.
[...] بل وإذا ما ذهبتَ إلى المنزل الذي كان يعيش فيه إيتشيفيرّيا –خوسيه أنتونيو، ولنسمّه هكذا-، إنه منزل جيد، منزل رائع. لاحِظوا كيف أن الطلاب كانوا يتخطّون في كثير من الأحيان انتمائهم الاجتماعي وطبقتهم، في ذلك السن المليء بالآمال وبالكثير من الأحلام.
في تلك الجامعة، لم يكن يوجد لدراسة الطب إلا كلّية واحدة ومستشفى تعليمي واحد، وكان كثيرون يحصلون على جوائز، الجائزة الأولى بالطب، بل وأن بعضهم الجائزة الأولى بالجراحة من دون أن يكون قد سبق لهم أن أجروا عملية جراحية لأي أحد كان.
كان بعضهم يحقق ذلك. [...]هكذا نشأ أطباء جيّدون، وليس جمع من الأطباء الجيدين، [...] ممن كانوا عاطلين عن العمل، وعندما انتصرت الثورة رحلوا إلى الولايات المتحدة بالذات، وبقي هنا ثلاثة آلاف و25 بالمائة من الأساتذة. ومن هذا الوضع انطلقنا نحو بلد اليوم، الذي أصبح يبرز بكونه ما يشبه عاصمة الطب العالمي.
[...] أصبح لدى البلاد الآن أكثر من سبعين ألف طبيب.
دخلنا نحن إلى الجامعة في نهايات عام 1945، وبدأنا نضالنا في ثكنة ’مونكادا‘ في السادس والعشرين من تموز/يوليو 1953، أي بعد نحو ثماني سنوات، وانتصرت الثورة بعد الهجوم على ثكنة ’مونكادا‘ بخمس سنوات وخمسة أشهر وخمسة أيام، وذلك بعد رحلة طويلة في السجون والمنفى والنضال في الجبال.
[...] لم نكن نعرف بشكل جيد جداً ولا حتى قانون الجاذبية، كنّا نكافح بعناء ضد الإمبراطورية، التي كانت قد أصبحت هي الأقوى، [...] في وقت كانت توجد فيه قوة عظمى أخرى، [...]، وكان عبر مسيرة قاسية أن أخذ عود شعبنا وثورتنا يصلب، إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه الآن.
[...] الإنسان هو المخلوق الوحيد القادر على أن يتجاوز [...] كل الغرائز، [...] والطبيعة تفرض الغرائز عليه، والتربية تفرض الفضائل ...
[...] بالرغم من الاختلاف بين أبناء البشر يمكن أن يكونوا واحداً في لحظة ما ويمكنهم أن يكونوا ملايين [...] من خلال الأفكار.
الأفكار هي التي تصنع شعباً مناضلاً، والأفكار هي التي أصبحت تجعلنا ليس فرداً واحداً، وإنما ثواراً بشكل جماعي، [...] حينها تضحي أكبر قدرة أي شعب على دحر محاولة قهره...
[...] هنا على مسافة تسعين ميلاً من الإمبراطورية الجبّارة، عن أقوى إمبراطورية عرفها التاريخ أبداً، وقد مرت 46 سنة، وهي الآن بعيدة أكثر من أي وقت مضى عن التمكّن من قهر الأمة الكوبية، الأمة التي أذلّوها وأساؤوا لها لمدة طويلة من الزمن...
أظن أن أغرامونتي، ويقول آخرون بأنه سيسبيديس، وفي معرض ردّه على أسئلة المتشائمين، حين لم يكن لديه إلا 12 رجلاً، قال: [...] ’باثني عشر رجلاً يمكن صنع شعب‘. [...] ما يسمى وعي ثوري، الذي هو اختصار لكثير من أنواع الوعي، [...] إنه ابن حب الوطن وحب العالم، لا ينسى ذلك القول الذي ورد قبل أكثر من مائة سنة.
[...] لا ينبغي أبداً نسيان أولئك الذين كانوا على مدى سنوات طويلة طبقتنا العاملة والشغيلة، الذين عاشوا عقوداً من التضحية، في وجه العصابات المرتزقة في الجبال، والغزوات مثل غزو خيرون [خليج الخنازير] وآلاف الأعمال التخريبية التي كلّفت الكثير من أرواح عمالنا في حقول قصب ومعامل السكر وفي الصناعة أو في التجارة أو في البحرية التجارية أو في صيد الأسماك، والذين كانوا يتعرضون فجأة لنيران المدافع وقذائف البازوكا، ليس إلا لأنهم كوبيين، ليس إلا لأننا أردنا الاستقلال، ليس إلا لأننا أردنا الارتقاء بمصير شعبنا.
[...] إن كوبا تتكلّم حين يكون عليها أن تتكلّم ولدى كوبا الكثير مما قوله، ولكنها ليست على عجلة ولا فارغة الصبر. إنها تعرف جيداً متى وأين وكيف تضرب الإمبراطورية ونظامها وعملائها.
[...] أظن أن هذه البشرية والأمور الكبيرة القادرة على إبداعها يجب المحافظة عليهما ما دام بالإمكان المحافظة عليهما.
[...] هذا الشعب الرائع والمدهش، الذي كان في الأمس بذرة واليوم هو شجرة نمت وذات جذور عميقة؛ يوم أمس كان مليئاً بالقدرة الكامنة واليوم هو مليء بالنبل الفعلي؛ يوم أمس كان مليئاً بالمعارف في أحلامه واليوم هو مليء بالمعارف الفعلية، في وقت بالكاد هو يشرع بهذه الجامعة الهائلة التي هي عليه كوبا.
[...] كوادر جدد آخذون بالنشوء، وكوادر شبان.
[...] كما تعرفون، نحن منهمكون في معركة ضد الآفات الاجتماعية، ضد حرف الموارد، ضد السرقات...
[...] لا تظنّنّ أن سرقة المواد والموارد هو أمر نشأ اليوم، أو من الفترة الخاصة؛ الفترة الخاصة فاقمت هذه المسألة، لأن الفترة الخاصة خلقت الكثير من التفاوت، والفترة الخاصة مكّنت أناساً معيّنين من التمتع بكثير من الأموال.
[...] خلال الفترة التي أحدّثكم عنها كان يتم استهلاك 800 كلغ من الاسمنت من أجل إنتاج طن واحد من الاسمنت المسلّح؛ وفي سبيل إنتاج طن من الإسمنت المسلّح الجيّد، [...] يحتاج الأمر لحوالي 200 كلغ. لاحِظوا كيف كان عليه التبذير، ما كان عليه حرف الموارد، وكيف كانت السرقات.
في هذه المعركة لمواجهة الآفات الاجتماعية لن تكون هناك هوادة [...] ونحن سنلجأ إلى عفة كل قطاع. هناك أمر نحن واثقون به: أنه في قلب كل إنسان توجد جرعة كبيرة من الحشمة. عندما يبقى هو مع نفسه، لا يكون حاكماً متشدداً، رغم أن الواجب الأول على كاهل الثوري، برأيي، هو الواجب بأن يكون بالغ التشدد مع نفسه.
[...] نقد ونقد ذاتي، صحيح جداً، لم يكن لهذا وجود؛ ولكن إذا كنا نريد خوض المعركة علينا استخدام صواريخ من عيار أثقل، لا بد من اللجوء إلى النقد والنقد الذاتي في غرفة الصف، في الخليّة، ومن ثم خارج الخليّة، ومن ثم في البلديّة ومن ثم في البلاد.
[...] يمكن أن تأتي لاحقاً أسئلة أخرى: ’كم تبلغ أجورنا؟ وإذا ما خطر على البال سؤال ’كم هي أجورنا‘ يبدأ إدراك حلم كل واحد بأن يعيش من راتبه أو من بدل تقاعده الذي يستحقه بجدارة.
[...] لقد أخذنا باكتساب الوعي، والحياة كلها تعلُّم، حتى الثانية الأخيرة منها، وهناك أمور كثيرة تبدأ برؤيتها في لحظة ...
الاستنتاج الذي توصلت إليه بعد مرور سنوات كثيرة: من بين الأخطاء الكبيرة التي ارتكبناها، الخطأ الأكبر هو اعتقادنا أن أحداً منّا كان ملماً بالاشتراكية، أو أحداً يعرف كيفية بناء الاشتراكية. كانت تبدو وكأنها عِلماً معروفاً، يبلغ الإلمام بها ما يبلغه الإلمام بالنظام الكهربائي الذي استوحاه بعض الذين كانوا يعتبرون أنفسهم خبراء في الأنظمة الكهربائية. [...] نكون أغبياء إذا ما اعتقدنا، على سبيل المثال، بأن الاقتصاد –وليعذرني عشرات الآلاف من رجال الاقتصاد الموجودين في البلاد- هو علم دقيق وأبدي، وهو الموجود منذ عصر آدم وحواء.
يضيع كل معنى للديالكتيك حين يظن أحد بأن اقتصاد اليوم هذا هو ذات الاقتصاد الذي كان عليه قبل خمسين سنة، أو قبل مائة سنة، أو قبل 150 سنة، أو أنه كما كان عليه في عهد لينين، أو عهد كارل ماركس. وبفكري الذي يبعد عن التحريفية ألف ميل، أكرّم بحق كلاً من ماركس وإنجلز ولينين.
[...] حين كنت طالباً عرفت نظرياً ما هي عليه الشيوعية الطوباوية اكتشفت بأنني شيوعي طوباوي، لأن كل أفكاري كانت تنطلق مما يلي: ’ليس هذا بجيّد، إنه سيئ، إن هذا لحماقة. كيف يمكن أن تحل أزمات فائض إنتاج وجوع ما دام هناك مزيد من الفحم، مزيد من البرد، مزيد من البطالة، لأنه توجد بالذات قدرة أكبر على خلق الثروات. أليس بالأمر الأسهل إنتاجها وتوزيعها؟‘
كان يبدو في ذلك الوقت، كما بدا لكارل ماركس أيضاً في عصر ’برنامج غوته‘، بأن حدّ الوفرة كان يكمن في النظام الاجتماعي؛ كان يبدو أنه بقدر تطوّر قوى الإنتاج كان يمكن إنتاج ما يحتاجه الإنسان من أجل تلبية احتياجاته الأساسية من النوع المادي والثقافي، إلى أخره.
[...] عندما ألّف كتباً سياسية، مثل ’الثامن عشر من برومار‘ و’الكفاح الأهلي في فرنسا‘، إنما كان عبقرياً يكتب، كان عنده تفسير واضح. ’بيانه الشيوعي‘ هو عمل كلاسيكي. تستطيع أنت أن تحلله، يمكنك أن تشعر بشيء من الارتياح تجاه بعض من الأمور أو تجاه بعض آخر. انتقلت أنا من الشيوعية الطوباوية إلى شيوعية تستند إلى نظريّات جادة عن التطور الاجتماعي...
في هذا العالم الواقعي، الذي يجب تغييره، كرجل تكتيك ومخطط ثوري، من واجب كل ثوري بلورة إستراتيجية وتكتيك يفضيان إلى الهدف الرئيسي المتمثل في تغيير العالم الواقعي. وليس بجيّد أبداً أي تكتيك أو إستراتيجية تفرِّق.
أتيحت لي أنا ميّزة التعرف إلى علماء ديانة التحرر مرة في تشيلي، حين زرت أليندي، عام 1971، والتقيت هناك مع كثير من القساوسة أو الممثلين عن مختلف الانتماءات الدينية، وكانوا يطرحون فكرة توحيد القوى والنضال، بغض النظر عن معتقداتهم الدينية.
إن العام يحتاج وعلى نحو يائس للوحدة، وإذا لم نتمكّن من تحقيق الحدّ الأدنى من هذه الوحدة لن نصل إلى أي هدف كان.
[...] درس لينين بشكل أساسي مسائل الدولة؛ لم يتكلّم ماركس عن التحالف العمالي-الفلاحي، فهو كان يعيش في بلد ذي تقدم صناعي كبير؛ لينين رأى العالم المتخلف، شاهد ذلك البلد حيث كان ثمانون أو تسعون بالمائة فلاحين، ومع أنه كان لديه قوة عاملة قوية في سكك الحديد وفي الصناعات، رأى لينين بوضوح مطلق ضرورة التحالف العمالي-الفلاحي، الذي لم يكن قد تكلّم عنه أحد؛ فالجميع كان قد تفلسف، ولكنهم لم يتكلّموا عن ذلك. وكان أن وقعت في بلد شاسع شبه إقطاعي، شبه متخلّف، أول ثورة اشتراكية، أول محاولة حقيقية لإقامة مجتمع متساوي، فلم يسبق لأي من الثورات السالفة، التي كانت ثورات رقيّة أو ثورات إقطاعية أو من العصور الوسطى أو مناهضة للإقطاع أو برجوازية أو رأسمالية أن طرحت أبداً المجتمع العادل، مع أنها تكلّمت كثيراً عن الحرية، المساواة، الأخاء.
على مدى التاريخ، أول جهد إنساني جاد لإقامة أول مجتمع عادل بدأ قبل مائتي سنة.
[...] بالدوغمائية ما كان بالإمكان أبداً الوصول إلى إستراتيجية. لقد علّمنا لينين الكثير، لأن ماركس علّمنا كيف نفهم المجتمع ولينين علّمنا كيف نفهم الدولة ودور الدولة.
[...] عندما انهار الاتحاد السوفييتي أصبح كثير من الناس بمفردهم، ومن بينهم نحن، الثوريون الكوبيون. ولكننا كنا نعرف ما يتوجب علينا فعله وما علينا فعله، وما هي الخيارات المطروحة أمامنا. كان باقي الحركات الثورية في أماكن كثيرة يخوض نضاله. لن أذكر ما هي، لن أقول مَن؛ ولكن الأمر تعلّق بحركات ثورية بالغة الجدّية، وقد سألونا إن كان عليهم أن يتفاوضوا أم لا أمام ذلك الوضع اليائس، إن كان عليهم مواصلة النضال أم لا، أو إن كان عليهم أن يتفاوضوا مع قوى الصف الآخر سعياً للسلام، في الوقت الذي كان يعرف فيه المرء إلى أين سيؤدي ذلك السلام.
كنت أقول لهم: ’لا يمكنكم أن تطلبوا رأينا نحن، فأنتم الذين ستناضلون، أنتم الذين ستموتون، وليس نحن. نحن نعرف ما سنفعل وما نحن مستعدون لفعله؛ ولكن هذا الأمر تستطيعون تقريره أنتم فقط‘. وهنا كمن أقصى تعبيرات الاحترام لباقي الحركات، وليس محاولة الإملاء على أساس معارفنا وتجاربنا والاحترام الكبير الذي يشعرون به تجاه ثورتنا لمعرفة حجم وجهات نظرنا.
[...] أظن أن تجربة أول دولة اشتراكية، وهي دولة كان ينبغي أن تسوّي نفسها وليس أن تدمّر نفسها أبداً، هي تجربة مريرة جداً. لا تظنّنّ بأننا لم نفكّر في كثير من الأحيان في تلك الظاهرة التي لا تصدٌّق في أن تُدمَّر كما دُمّرت واحدة من أعظم القوى العالمية، وهي قوة كانت قد تمكّنت من موازاة قدرتها بقدرة القوة العظمى الأخرى، وهو بلد دفع بأرواح أكثر من عشرين مليون مواطن ثمن النضال ضد الفاشية، بلد حطّم الفاشية.
هل أن الثورات مدعوّة للانهيار أو أن الأشخاص يستطيعون جعل الثورات تنهار؟ هل يستطيع الأشخاص أم لا، هل يستطيع المجتمع أم لا أن يمنع الثورات من الانهيار؟ بإمكاني أن أضيف سؤالاً آخر: هل تظنون بأنه يمكن لهذه العملية الثورية، الاشتراكية، أن تنهار أم لا؟ (هتافات: ’لا‘) هل فكرتم بذلك مرة؟ هل فكرتم بذلك بعمق؟
هل كنتم تعرفون بأمر كل هذا التفاوت الذي أحدّثكم عنه؟ هل كنتم تعرفون بعض العادات المنتشرة؟ هل كنتم على علم بأن بعضهم كان يقبض في الشهر أربعين أو خمسين ضعف ما يقبضه أحد هؤلاء الأطباء الموجودين هناك في جبال غواتيمالا، عضو في فرقة ’هنري ريف‘؟ ربما يكون موجوداً في مكان ناءٍ آخر من أفريقيا، أو على ارتفاع آلاف الأمتار، في سلسلة جبال هملايا ينقذ الأرواح ويقبض 5 بالمائة أو 10 بالمائة مما يقبضه لص صغير من هؤلاء الذين يبيعون البنزين لحديثي النعمة، يحرفون الموارد من المرافئ في شاحنات وبالأطنان، أو يسرقون في محال البيع بالعملة الصعبة، أو يسرقون في فندق من فئة الخمس نجوم، أو ربما يبدلون زجاجة الروم بواحدة أخرى جلبوها هم، فيضعونها مكان الزجاجة الأخرى ويجمعون كل العملة الصعبة التي يمكن أن تعود بها زجاجة روم، جيدة إلى حد ما.
[...] كما يمكن شرح سبب عدم قطع قصب السكر اليوم، ليس هناك من يقطعها والآلات الثقيلة تقوم بسحق حقول القصب. مظالم العالم المتقدم ومعوناته أدت إلى جعل أسعار السكر على ما هي عليه في ذلك السوق، أسعار مزبلة السكر، بينما كانت أوروبا تدفع لمزارعيها ضعفي أو ثلاثة أضعاف هذا السعر.
[...] ولكن الأمر وصل بنا لطرح هذا السؤال، وقد طرحته منذ زمن طويل، في وجه هذه الإمبراطورية العظمى التي تهددنا، لديها خطط انتقالية وخطط للتحرك العسكري في لحظة تاريخية معينة.
إنهم بانتظار ظاهرة طبيعية ومنطقية على الإطلاق، وهو وفاة أحد ما. في هذه الحالة شرّفوني جداً بالتفكير بي. أترى ذلك اعترافاً بما لم يتمكنوا من فعله خلال زمن طويل! لو أنني كنت مغروراً لكنت أشعر بالفخر لأن يقول أولئك البهاليل بأن عليهم أن ينتظروا موتي، وتكون تلك هي اللحظة. انتظار موتي، وهم يخترعون في كل يوم شيئاً جديداً، أن كاسترو يعاني هذا أو غيره من الأمراض.
[...] نعم، لقد تعرّضت لوقعة قويّة جداً، وما زلت أنتعش من هذا الذراع (يشير إليه) وهو يتحسّن. أشكر جداً الظروف التي كسرت فيها ذراعي، لأنها اجبرتني على اتباع قدر أكبر من الالتزام والنظام، وعلى مزيد من العمل، ولتخصيص قدراً أكبر من الوقت، تخصيص نحو 24 ساعة من اليوم لعملي؛ فإذا ما كنت أخصصها لذلك طيلة المدة التي استغرقتها الفترة الخاصة، فإنني أخصص اليوم كل ثانية وأناضل اليوم أكثر من أي وقت مضى.
[...] هذا الأمر هو أشبه ما يكون بالأبله (كنت أقصد مجلة ’فوربيس‘) الذي اكتشف بأنني أغنى رجل في العالم.
[...] لقد وجهت إليكم سؤالاً، أيها الرفاق الطلاب، لم أنسَ ذلك ولا شيء من هذا القبيل، وبودّي ألا تنسوه أبداً، ولكنه السؤال الذي أدعه هنا أمام التجارب التاريخية المعروفة، وأطلب من الجميع، بدون استثناء، التأمل: هل يمكن أم لا يمكن العودة عن عملية ثورية ما؟ ما هي الأفكار أو درجة الوعي التي تجعل من العودة عن عملية ثورية أمراً مستحيلاً؟
[...] إنها هائلة قدرة القائد حين يكون متمتعاً بثقة الجماهير، حين تكون هذه تثق بكفاءته. وهي مريعة نتائج الخطأ الذي يرتكبه أولئك أصحاب أعلى السلطات، وقد حدث ذلك في أكثر من مرة في العمليات الثورية.
إنه أمر يملي المرء التفكير فيها. فهو يدرس التاريخ، ويقرأ ماذا حدث هنا، وماذا حدث هناك، يتأمل في ما حدث اليوم وما سيحدث في الغد، وفي الطريق التي تسير به عمليات كل بلد، في أي طريق سيسير بلدنا، وكيف سيسير، وأي دور ستلعبه كوبا في هذه العملية.
[...] كان لهذا أن قلت تلك الكلمة بأن أحد أكبر أخطائنا المرتكبة في البداية، وفي أحيان كثيرة على مدى عمر الثورة، هو اعتقادنا بأن أحداً كان يعرف كيفية بناء الاشتراكية.
[...] ما هو هذا المجتمع، أو أي سعادة يستحق حين نجتمع في مكان كهذا، في مثل هذا اليوم، إذا لم نكن نلمّ بالحد الأدنى مما يجب الإلمام به من أجل تمكين هذا الشعب البطل، هذا الشعب الذي سطر صفحات لم يسطرها أي شعب آخر في تاريخ البشرية، من صون الثورة في هذه الجزيرة البطلة؟ لا تظنَّن بأن من يتحدث إليكم هو شخص مغرور، محب للذات، أحد يحب الكلام عن نفسه.
لقدر مرت 46 سنة وتاريخ هذا البلد معروف، مواطنو هذا البلد يعرفونه؛ وتاريخ تلك الإمبراطورية المجاورة معروف أيضاً، حجمها، قوتها، جبروتها، ثروتها، تكنولوجيتها، سيطرتها على البنك العالمي، هيمنتها على صندوق النقد الدولي، هيمنتها على مصادر التمويل العالمية، ذلك البلد الذي فرض علينا الحصار الأشد فولاذية ولا يصدّق، وهو حصار تم الكلام عنه في الأمم المتحدة ووجد القرار الداعي لرفعه دعم 182 بلداً ممن صوتوا بحرية متحدين مخاطر التصويت العلني ضد تلك الإمبراطورية. [...] ليس أننا قمنا بهذه الثورة فقط بمخاطرتنا خلال عدد طويل من السنوات، فقد كنا قد توصلنا إلى القناعة بأنه إذا ما تعرضنا لهجوم مباشر من قبل الولايات المتحدة سنناضل بأنفسنا، فلم يكن بوسعنا طلب ذلك". كنت أقصد الاتحاد السوفييتي.
"مع تطور التكنولوجيات الحديثة كان من الساذج الاعتقاد أو الطلب أو الانتظار من تلك القوة العظمى أن تحارب ضد القوة الأخرى لو تدخلت في هذه الجزيرة الصغيرة الواقعة على مسافة تسعين ميلاً، وتوصلنا إلى القناعة الكاملة بأنه ليس من شأن هذا الدعم أن يحدث أبداً. شيء آخر: سألناهم مرة على نحو مباشر قبل عدة سنوات من اندثار الاتحاد السوفييتي: ’قولوها لنا بصراحة: «لا»‘. أجابوا بما كناّ نعرف ما ستكون عليه إجابتهم، وبعد ذلك عجّلنا من تطوير مفهومنا وارتقينا بالأفكار التكتيكية والإستراتيجية التي انتصرت بها هذه الثورة، وقد انتصرت بقوة بدأت كفاحها بسبعة رجال مسلحين، وواجهت جيشاً بلغ تعداد رجاله ثمانين ألفاً ما بين مارينز وجندي ورجل شرطة، إلى آخره، ودبابات وطائرات، وكل نوع من الأسلحة الحديثة بالنسبة لتلك المرحلة، فكان شاسعاً الفرق بين أسلحتنا وبين الأسلحة التي كان يتمتع بها ذلك الجيش، المدرّب على يد الولايات المتحدة، والمدعوم من قبل الولايات المتحدة، والمموَّن من قبل الولايات المتحدة.
[...] لدينا اليوم أكثر من سبع بنادق بقليل ولدينا شعب بأكمله تعلّم كيفية استخدام الأسلحة؛ شعب بأكمله يتمتع بهذا المستوى من الثقافة والمعارف والوعي، بالرغم من أخطائنا، لن يسمح أبداً بعودة هذا البلد لأن يتحوّل إلى مستعمرة لهم.
يمكن لهذا البلد أن يدمّر نفسه بنفسه؛ يمكن لهذه الثورة أن تدمّر نفسها بنفسها، ولكنهم هم من لا يستطيع تدميرها اليوم؛ نحن نعم، نحن نستطيع تدميرها، ومن شأن الذنب في ذلك أن يكون ذنبنا.
لقد حظيت بميّزة العيش سنوات كثيرة، وليس هذا بفضيلة، ولكنها فرصة ما فوق العادية لكي أقول لكم ما أقوله الآن، لكم ولكل قادة الشباب، لكل قادة المنظمات الجماهيرية، لكل قادة الحركة العمالية، ولكل قادة لجان الدفاع عن الثورة والنساء والفلاحين ومقاتلي الثورة، المنظَّمين في كل مكان، المناضلون على مدى سنوات، والذين قام مئات الآلاف منهم بمهمات أممية مجيدة...
[...] إنه لأمر مدهش أن ترى أبناء أبسط القطاعات الاجتماعية في البلاد وقد تحوّلوا إلى 28 ألف عامل اجتماعي وإلى مئات الآلاف من الطلبة الجامعيين، جامعيين؟ لاحظوا ما هي عليه هذه من قوة! وسرعان ما سنشهد أيضاً تحرك أولئك الذين خرّجناهم قبل أيام في المدينة الرياضية.
المدينة الرياضية تعلّمنا عن الماركسية-اللينينية؛ المدينة الرياضية تعلّمنا عن الطبقات الاجتماعية؛ والمدينة الرياضية جمعت قبل أسابيع قليلة نحو 15 ألف طبيب وطالب طب وبعضهم من المدرسة الأمريكية اللاتينية للعلوم الطبية وآخرون ممن جاؤوا حتى من تيمور الشرقية ليدرسوا الطب، لا يمكن أبداً نسيان ذلك. لا أظن بأن الأمر يتعلق بشعور شخصي عند أي واحد منّا.
لن ينسى هذا المجتمع أبداً تلك المشاهد للخمسة عشر ألف قميص أبيض التي اجتمع لابسوها هناك يوم تخرج طلبة الطب، اليوم الذي تم فيه تشكيل فرقة ’هنري ريف‘، التي بعثت عدداً كبيراً جداً من قواتها إلى الأمكنة التي وقعت فيها أمور ما فوق العادية، وذلك خلال مدة أقصر بكثير من التي كان بإمكاننا أن نتصوّرها.
[...] اسمحوا لي أن أقول لكم بأن الرأسمال البشري اليوم هو أهم مورد للبلاد أو هو في طريقه ليكون كذلك على وجه من السرعة، ليتفوّق على باقي الموارد الأخرى مجتمعة. وأنا لا أبالغ في ذلك.
[...] ومن هنا تم الأخذ باكتشاف محطات بنزين للحساب الخاص، يغذيها وقود سائقي الشاحنات-الصهاريج.
هناك أمر معروف وهو أن كثير من شاحنات الدولة تسير في طريق وفي آخر، وأن أصحابها يتوجهون بهذه الشاحنات إلى بيت صديق، قريب، أو لزيارة صديقته.
أذكر تلك المرة، قبل عدة سنوات من حلول الفترة الخاصة، أن شاهدت في الجادة الخامسة رافعة ’فولفو‘، جديدة، كان ثمنها في تلك الفترة حوالي 50 ألف أو 60 ألف دولار، تسير بسرعة. شعرت بالفضول لمعرفة المكان الذي تذهب إليه بتلك السرعة، طلبت من المرافِق: ’قف، اسأله إلى أين يذهب، فليقل لك ذلك بصراحة‘. واعترف بأنه كان ذاهباً لرؤية صديقته برافعة ’فولفو‘ تلك، التي كانت تسير بأقصى سرعة في الجادة الخامسة.
[...] لقد قمنا بأمور من هذا النوع، أمور تجعل الحجارة تحكي.
[...] أمور كهذه حدثت وما تزال. وبشكل عام نحن نعرف كل شيء، وقد قال كثيرون: ’الثورة لا تستطيع؛ لا، إنه أمر مستحيل؛ ليس هناك من يستطيع إصلاح هذا الوضع‘. ولكن، نعم، الشعب سوف يصلح ذلك، الثورة سوف تصلح ذلك، وبأي طريقة. هل هي مسألة أخلاقية فقط؟ نعم، بشكل أساسي، ولكنها بالإضافة لذلك، هي مسألة اقتصادية هامة.
إن هذا هو أحد الشعوب الأكثر تبذيراً للوقود في العالم. لقد تم إثبات ذلك هنا، وقد قلتموها أنتم بكل نزاهة، وهذا هو أمر هام جداً. لا أحد يعرف ما تكلفه الكهرباء، لا أحد يعرف ما يكلفه البنزين، لا أحد يعرف قيمتهما في السوق. كنت سأقول لكم بأنه لأمر مؤسف جداً أنه في الوقت الذي يمكن لطن النفط أن يصل فيه إلى 400 والبنزين إلى 500، أو 600، أو 700، ويصل في بعض الأحيان إلى 1000، وهو منتج لن ينخفض سعره، بعض المنتجات ربما ينزل ولكن ضمن ظروف عابرة، وليس لمدة طويلة، لأن هذا المنتج ينضب.
[...] نحن نرى مناجمنا للنيكل، حيث تترك ثغرة في المكان الذي كان يوجد فيه الكثير من النيكل. وهذا ما يحدث للنفط، الآبار الكبرى قد ظهرت، وأصبح ما بقي ينضب يوماً بعد يوم. إن هذا هو موضوع أخذ ويأخذ من تفكيرنا حيزاً كبيراً.
[...] إذا لم تخنّي الذاكرة، كان هناك حوالي 300 هيئة معها صلاحية النفقة بالعملة الصعبة وكانت تقرر بصلاحيات واسعة جداً أمر نفقات بالعملة الصعبة من أرباحها، فتشتري هذا أو ذاك، أو تطلي، أو تشتري سيارات أفضل من التي عندها. تنبّهنا إلى أنه ضمن الظروف التي تعيشها البلاد كان لا بد من تجاوز كل ذلك الوضع...
[...] بكل بساطة، اضطررنا لإغلاق مصانع سكّر وإلا كنا سننتهي إلى حفرة بارتليت. كان لدى البلاد الكثير من رجال الاقتصاد، الكثير الكثير، وأنا لا أحاول هنا انتقادهم، ولكن بذات الصراحة التي أتكلّم بها عن أخطاء الثورة أستطيع أن أسأل لماذا لم نكتشف بأن المحافظة على ذلك الإنتاج، بعدما كان قد مرّ وقت طويل على غرق الاتحاد السوفييتي، وكان سعر الطن الواحد من النفط أربعين دولاراً، لماذا لم يتم تحجيم تلك الصناعة ولماذا كان علينا أن نزرع سنوياً عشرين ألف كاباليريا، أي حوالي 270 ألف هكتار، ومن أجل ذلك علينا أن نقلب الأرض بجرارات ومحاريث ثقيلة، وزرع قصب السكر الذي يحتاج بعد ذلك لتنظيفه بآلات، ثم التسميد بمبيدات أعشاب باهظة الثمن، إلى آخره، إلى آخره، إلى آخره...
[...] كان الاتحاد السوفييتي قد غرق منذ زمن طويل، وأصبحنا، بين ليلة وضحاها، بلا محروقات، بلا مواد أولية، بلا مواد غذائية، بلا أدوات تنظيف، بلا شيء. ربما كان ضرورياً أن يحدث ما حدث، ربما كان ضرورياً أن نعاني ما عانينا، ونحن مستعدون، كما كنّا، للموت ألف مرة قبل أن نسلّم الوطن أو نسلّم الثورة...
[...] لعلّ ذلك كان ضرورياً لأننا ارتكبنا الكثير من الأخطاء، وهي الأخطاء التي نحاول الآن تصحيحها، إذا صح القول، التي نقوم بتصحيحها.
[...] من دون التمادي في استغلال السلطة! ليس هناك ما يبرر أبداً إقدام أحدنا على محاولة التمادي في استغلال السلطة. نعم، من واجبنا أن نتمتع بالجرأة، من واجبنا أن نتمتع بشجاعة قول الحقائق، [...] أنت لست مجبراً على قول الحقائق كلها دفعة واحدة، فالمعارك السياسية لها تكتيكها، والإعلام الملائم، يواصل السير في طريقه أيضاً. [...] لا يهم ما يقوله أفراد العصابات وما تقوله البرقيات الصحفية التي ترد غداً أو بعد غد، فآخر الضاحكين يضحك مقهقهاًُ.
[...] ليست المسألة مسألة طبع أوراق مالية من دون أن تكون لها تغطية بالسلع أو الخدمات...
[...] انتهى بنا الأمر لتقديم المنازل مجاناً، البعض كانوا يشترونها، فقد كانوا ملاكين، وكانوا قد دفعوا خمسين بيسو شهرياً، ثمانين بيسو شهرياً، وعلى أساس سعر الصرف، فإنها تعني ثلاثة دولارات إذا كان قد تم إرسال هذا المال لهم من ميامي؛ كان بعضهم يبيعها، وبذلك ينتهي الأمر في نهاية السنة في أنهم بأقل من خمسمائة دولار.
[...] هل يمكن للبلاد أن تحل مشكلة الإسكان عبر قيامها بتقديم الأشياء كهدية؟ ومن كان يستفيد منها، الكادح، الإنسان البسيط؟ كان هناك كثيرون من البسطاء ممن استلموا منازل كهديّة وقاموا بعد ذلك ببيعها لحديثي النعمة. كم يمكن لحديث النعمة أن يدفع ثمن المنزل؟ أهذه اشتراكية؟
يمكنها أن تكون حاجة في لحظة معينة، كما يمكنه أن يكون خطأ، إذ أن البلاد تعرضت لضربة مرهقة، وذلك حين انهارت القوة العظمى بين ليلة وضحاها وتركرنا بمفردنا، لوحدنا، وخسرنا كل أسواق السكر ولم نعد نتلقّى المواد الغذائية والمحروقات، وحتى الخشب الذي كانت تًصنع منه نعوش الموتى. وظن الجميع: ’هذا الحكم سيسقط‘، وما زال البلهاء جداً يظنون بأن هذا الحكم سيسقط، وأنه إذا لم يسقط الآن سيسقط لاحقاً. وكلّما زادت أحلامهم هم وكلّما زاد تفكيرهم، من واجبنا أن نفكّر نحن، ومن واجبنا الأكبر أن نخرج نحن بالاستنتاجات، لكي لا تلحق الهزيمة أبداً بهذا الشعب المجيد الذي أودع كل الثقة التي أودعها فينا.
[...] لا تجيئنّ الإمبراطورية أبداً إلى هنا لتقيم سجوناً سرّيّة لتعذيب الرجال والنساء التقدميين من بقية أنحاء القارة التي تنهض اليوم لتحقق استقلالها الثاني والنهائي.
أفضل ألف مرة عدم بقاء ولا حتى ظل ذكرى أي منّا وأي من ذرّيتنا على أن نضطر للعودة للعيش حياة تبلغ كل ما تبلغه من بؤس وإثارة للاشمئزاز.
[...] كانوا قد خدعوا العالم. حين نشأت وسائل الإعلام الكبرى تملّكت من العقول وحكمت، ليس على أساس الأكاذيب فحسب، وإنما على أساس المنعكسات المشروطة: الكذب يؤثر على المعرفة؛ المنعكَس المشروط يؤثر على القدرة على التفكير. وليس الحال سواء بين أن تكون غير مطلع وأن تكون قد فقدت القدرة على التفكير، لأنهم خلقوا عندك منعكَسات: ’هذا سيئ، هذا سيئ؛ الاشتراكية سيئة، الاشتراكية سيئة‘، وكل الجهلاء، وكل الفقراء، وكل المستغَلّين يقولون: ’الاشتراكية سيئة‘. ’الشيوعية سيئة‘، وكل الفقراء، كل المستغَلّين وكلّ الأميين يرددون: ’الشيوعية سيئة‘.
’كوبا سيئة، كوبا سيئة‘، هذا ما قالته الإمبراطورية، قالت ذلك في جنيف، وقالته في عشرين مكان ومكان، ويأتي كل المستغَلّين في العالم، كل الأميين، وكل الذين لا يتلقون عناية طبية ولا تعليم، ولا فرص العمل مؤمنة لهم، ولا يؤمَّن لهم شيء ليقولوا: ’الثورة الكوبية سيئة، الثورة الكوبية سيئة‘.
[...] عمّ يتكلّمون؟ ماذا يفعل الأميّ؟ كيف يمكنه أن يعرف إن كان صندوق النقد الدولي جيداً أم سيئاً وأن الفوائد هي أعلى وأن العالم آخذ بالخضوع وبالتعرض للنهب المتواصل بسبب أساليب هذا النظام؟ لا يعرف ذلك.
لا يعلّمون الجماهير القراءة والكتابة، ينفقون بليون دولار على الدعاية التجارية سنوياً؛ ولكن المشكلة ليست في إنفاقها، وإنما في أنها تُنفَق على خلق منعَكَسات مشروطة، لأن ذاك اشترى ’بالموليف‘، والآخر اشترى ’كولغيت‘، والآخر ’كاندادو‘، بكل بساطة لأنهم كرروه على مسمعه ألف مرة، جعلوه يترافق في ذهنه بصورة جميلة وأخذوا يزرعونها في دماغه، ينقشون دماغه. هم الذين يتكلمون كثيراً عن غسل الدماغ، إنما هم ينقشونه، يعطونه شكلاً، يجرّدون الإنسان من القدرة على التفكير؛ ومن شأن الأمر أن يكون أقل خطورة بعد لو أنهم جرّدوا أحدا خرّيج جامعة ويستطيع قراءة كتاب من هذه القدرة على التفكير.
ماذا يستطيع الأميّ أن يقرأ؟ كيف يعلم بأنهم يقومون بمداهنته؟ كيف يدري بأن أكبر كذبة في العالم هي القول بأن هذه هي ديمقراطية، النظام النتن الذي يسود هناك وفي الجزء الأكبر، وهذا لكي لا نقول في جميع البلدان التي نسخت ذلك النظام تقريباً؟ [...] وهذا هو ما يجعل أي كان أن يصبح مع مرور الوقت وفي أحيان كثيرة أكثر ثورية مما كان عليه حين كان يجهل الكثير من هذه الأمور، ولم يكن يعرف إلا عناصر من الظلم واللامساواة.
في اللحظة التي أقول لكم فيها ذلك لا أقوم بالتنظير، مع أنه لا بد من التنظير؛ إننا نتحرك، إننا نسير نحو تغيير شامل لمجتمعنا.
[...] سعر النفط اليوم لا يخضع لأي قانون عرض وطلب؛ إنما يخضع هذا السعر لعوامل أخرى، لندرته، للتبذير المذهل من قبل البلدان الغنية، وليس هو بسعر له علاقة بأي قانون اقتصادي كان. إنها قلة هذا المنتج مقابل الطلب المتزايد وما فوق العادي عليه.
[...] إننا ندعو كل أبناء الشعب إلى التعاون في معركة كبرى، ليست هي فقط معركة المحروقات، معركة الكهرباء، إنها معركة محاربة كل أنواع السرقة، من أي نوع كانت، وفي أي مكان كانت. أكرر: محاربة كل أنواع السرقة، من أي نوع كانت، وفي أي مكان كانت.
[...] أنا لا أعادي أحداً، ولكن لا أعادي الحقيقة أيضاً. أنا لست على التزام تجاه أي كذبة، من أراد أن يأخذ على خاطره، يؤسفني ذلك، ولكنني أنبهه سلفاً بأنه سيخسر المعركة، ولن يكون هذا عملاً ظالماً ولا مستغِلاًّ للسلطة.
[...] مجموع ما أنفقته 1.9 دولار مقابل 300 كيلواط من الكهرباء؛ أي بسعر 0.63 سنتاً (أقل من سنت واحد) من الدولار مقابل الكيلواط الكوبي الواحد من الكهرباء. يا لها من روعة!
كم ينفق شعب كوبا بسبب هذا الدولار الذي أرسلوه لك من هناك؟ فهذا الدولار ليس بدولار أو أو بيسو كسبته أنت بعملك، أو كسبه ذلك الوسيط ببيعه لرطل الفاصوليا بثمانية بيسوات؛ إنما أرسلوه لك من هناك؛ أحدٌ ما غادر إلى هناك بعافيته، وكل ما درسه كان مجاناً منذ أن ولد، وليس مريضاً، فهم المواطنين الأكثر عافية بين كل الذين يصلون إلى الولايات المتحدة، يتمتعون ’بقانون ضبط‘، وبالإضافة لذلك ممنوع عليهم إرسال التحويلات المالية.
[...] طبعاً أنت لم تنفق سنتاً واحداً مما أرسلوه لك في شراء أدوية، فالأدوية تحظى بدعم الدولة، إذا ما اشتريتها من الصيدلية، هذا الذي لم يسرقوه ولم يبيعونه خارجها، تكون قد أنفقت 10 بالمائة مما يكلّفه هذا الدواء بالعملة الصعبة. إذا ما ذهبت إلى المستشفى وربما أجروا لك عملية حتى في القلب، في الكاحل، يمكن لعمليتك هذه أن تكلفك في الولايات المتحدة ألف، ألفين، عشرة آلاف؛ فإذا ما أصبت بجلطة ووضعوا لك صماماً، يمكن أن تصل الكلفة إلى ما وصلت إليه كلفة علاج موظف لنا في مكتب رعاية المصالح، 80 ألف دولار. أنت لم يمتنعوا أبداً عن معالجتك، يمكن أن يكون هناك سوء معاملة في مستشفىً ما، ولكن هل ذهبت يوماً إلى مستشفى ولم يقدموا لك العناية الطبية؟
[...] يوماً ما، وبواسطة الوسائل المتطورة تقنياً، سيكون بإمكان الثورة أن تعرف أين تتواجد كل شاحنة، في أي مكان كان، في أي شارع. لن يستطيع أحد أن يهرب بالشاحنة ويذهب لرؤية عمته أو [...] صديقته. المسألة ليست في أن تكون رؤية القريب أو الصديق أو الصديقة بأمر سيئ، ولكن ليس أن تفعل ذلك بالشاحنة المخصصة للعمل...
[...] نحن بحاجة لتطبيق أكبر عقلانية ممكنة على الرواتب، على الأسعار، على بدل التقاعد، على المعاشات. صفر تبذير. [...] لسنا في بلد رأسمالي حيت يُترَك كل شيء للصدفة.
الدعم أو التوفير بالمجان لن يكونا إلا في الحالات الأساسية والهامة. [...] وممَّ سندفع التكاليف؟ [...] كل شيء بمتناول أيدينا، كل شيء هو للشعب، الأمر الوحيد الذي لا يمكن السماح به هو تبذير الثروات على نحو أناني وغير مسؤول.
الحقيقة أنه لم تكن لديّ النية على الدخول في محاضرة حول مواضيع ذات حساسية بالغة، ولكنه يشكل جريمة عدم استغلال لهذه الفرصة لقول بعض الأمور التي هي على صلة بالاقتصاد، بالحياة المادية للبلاد، بمصير الثورة، بالأفكار الثورية، بالأسباب التي حملتنا على بدء النضال، بالقوة الجبارة التي نتمتع بها اليوم، ما نحن وما يمكننا أن نكون عليه من بلد، وأكبر بكثير مما نحن عليه.
[...] لقد تحدثت معكم بكل الثقة التي يمكنني أن أتحدّث بها.
[...] ستتمتع البلاد أكثر مما تتمتع به بكثير ولكنها لن تكون أبداً مجتمعاً استهلاكياً، ستكون مجتمع معارف، ثقافة، مجتمع مزيد من التطور البشري ما فوق العادي الذي يمكن تصوّره، مجتمع تطوير للثقافة، للفنون، للعلوم، [...] بحرية كاملة لا يستطيع أحد قطعها. إننا نعرف ذلك، لا حجة حتى للإعلان عنه، مع أنه نعم، يجب التذكير به.
[...] لا ينبغي أن يكون من حق أحد إنتاج أسلحة نووية. وخاصة الحق المتميّز الذي فرضته الإمبريالية من أجل فرض هيمنتها على بلدان العالم الثالث ونهب ثرواتها الطبيعية وموادها الأولية.
[...] يجب أن تنتهي من العالم المظالم وسؤدد القوة والإرهاب. إن هذا يختفي أمام الغياب الكامل للخوف ويزداد يوماً بعد يوم عدد الشعوب التي تشعر بقدر أقل من الخوف، وسيكون أكبر يوماً بعد يوم عدد الذين يتمردون ولن يكون بوسع الإمبراطورية أن تحافظ على النظام المشين الذي ما زالت تحافظ عليه.
[...] إنه لمن المحق تماماً النضال من أجل ذلك، ولهذا من واجبنا أن نستخدم كل طاقاتنا، كل جهودنا، وكل وقتنا من أجل التمكن من القول بصوت ملايين أو مئات أو آلاف الملايين: يستحق الأمر أننا ولدنا! يستحق الأمر أننا عشنا!".
بهذا أختتمت ذلك الخطاب، الذي أصادق عليه اليوم مجدداً.
شكراً جزيلاً
17 تشرين الثاني/نوفمبر 2010
18/11/2010